الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا قد مضى ما قد خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مناكحه نصا واجتهادا ، وما خص به أزواجه تفضيلا وحكما .

                                                                                                                                            فلا بد من ذكر أزواجه ، ليعلم من يميز من نساء الأمة بهذه الأحكام المخصوصة ، وهن ثلاث وعشرون امرأة ، منهن ست متن قبله ، وتسع مات قبلهن ، وثمان فارقهن .

                                                                                                                                            فأما الست اللاتي متن قبله :

                                                                                                                                            فإحداهن خديجة بنت خويلد ، وهي أول امرأة تزوجها قبل النبوة عند مرجعه من الشام ، وهي أم بنيه وبناته إلا إبراهيم ، فإنه من مارية القبطية ، كان المقوقس أهداها إليه ، ولم يتزوج على خديجة أحدا حتى ماتت .

                                                                                                                                            والثانية : زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين ، ودخل بها ، وأقامت عنده شهورا ، ثم ماتت ، وكانت أخت ميمونة من أمها .

                                                                                                                                            والثالثة : سنا بنت الصلت ، ماتت قبل أن تصل إليه .

                                                                                                                                            والرابعة : شراق أخت دحية الكلبي ، ماتت قبل أن تصل إليه .

                                                                                                                                            والخامسة : خولة بنت الهذيل ، ماتت قبل أن تصل إليه .

                                                                                                                                            والسادسة : خولة بنت حكيم السلمية ، ماتت قبل دخوله بها ، وقيل : إنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            فهؤلاء ست متن قبله ، دخل منهن باثنتين ، ولم يدخل بأربع .

                                                                                                                                            [ ص: 27 ] وأما التسع اللاتي مات عنهن :

                                                                                                                                            فإحداهن عائشة بنت أبي بكر ، وهي أول امرأة تزوجها بعد موت خديجة ، ولم يتزوج بكرا غيرها ، عقد عليها بمكة وهي ابنة سبع ، ودخل بها بالمدينة وهي ابنة تسع ، ومات عنها وهي ابنة ثماني عشرة .

                                                                                                                                            والثانية : سودة بنت زمعة ، تزوجها بعد عائشة ، وكانت أم خمس صبية ، فلما عرف أخوها عبد بن زمعة أنها تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم حثا التراب على رأسه ، فلما أسلم قال : إني لسفيه لما حثوت التراب على رأسي ، حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أختي .

                                                                                                                                            والثالثة : حفصة بنت عمر ، تزوجها بعد سودة ، وكان عثمان قد خطبها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أدلك على من هو خير لها من عثمان وأدل عثمان على من هو خير له منها ، فتزوجها ، وزوج بنته أم كلثوم بعثمان .

                                                                                                                                            والرابعة : أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وقيل : إنه نزل في تزويجها عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة [ الممتحنة : 7 ] ، ولما تنازع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضانة ابنه إبراهيم ، قال : ادفعوه إلى أم حبيبة : فإنها أقربهن منه رحما .

                                                                                                                                            والخامسة : أم سلمة بنت أبي أمية .

                                                                                                                                            والسادسة : زينب بنت جحش ، نزل عنها زيد بن حارثة ، فتزوجها ، وفيها نزل قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ الأحزاب : 37 ] وكانت بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب .

                                                                                                                                            والسابعة : ميمونة بنت الحارث ، وكان بالمدينة فوكل أم رافع في تزويجه بها وبقي بمكة ، ودخل بها عام الفتح بسرف ، وقضى الله تعالى أن ماتت بعد ذلك بسرف .

                                                                                                                                            والثامنة : جويرية بنت الحارث ، من بني المصطلق من خزاعة ، سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع التي هدم فيها مناة ، ثم أعتقها وتزوجها .

                                                                                                                                            وقال الشعبي : وجعل عتقها صداقها ، فلما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقى أحد من المسلمين عبدا من قومها إلا أعتقه لمكانتها ، فقيل : إنها كانت أبرك امرأة على قومها .

                                                                                                                                            والتاسعة : صفية بنت حيي بن أخطب ، اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي النضير ، ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها ، وهي التي أهدت إليها زينب بنت الحارث اليهودية شاة مسمومة ، فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            فهؤلاء تسع مات عنهن ، وكان يقسم لثمان منهن .

                                                                                                                                            وأما الثماني اللاتي فارقهن في حياته :

                                                                                                                                            فإحداهن أسماء بنت النعمان الكندية ، دخل عليها ، فقال لها : تعالي ، فقالت : أنا من قوم نؤتى ولا نأتي ، فقام إليها فأخذ بيدها ، فقال : ملكة تحت سوقة ، فغضب وقال : لو رضيك الله لي لأمسكتك وطلقها .

                                                                                                                                            والثانية : ليلى بنت الحطيم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو غافل ، فضربت ظهره ، فقال : من [ ص: 28 ] هذا ؟ أكله الأسود ، فقالت : أنا ليلى قد جئتك أعرض نفسي عليك ، فقال : قد قبلتك ، ثم علمت كثرة ضرائرها ، فاستقالته فأقالها ، فدخلت حائطا بالمدينة ، فأكلها الذئب .

                                                                                                                                            والثالثة : عمرة بنت يزيد الكلابية دخل بها ثم رآها تتطلع فطلقها .

                                                                                                                                            والرابعة : العالية بنت ظبيان ، دخل بها ومكثت عنده ما شاء الله ، ثم طلقها .

                                                                                                                                            والخامسة : فاطمة بنت الضحاك الكلابية ، لما خير الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه ، اختارت فراقه ، ففارقها بعد دخوله بها .

                                                                                                                                            والسادسة : قتيلة بنت قيس أخت الأشعث ، وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخييرها في مرضه ، فاختارت فراقه ، ففارقها قبل الدخول .

                                                                                                                                            والسابعة : مليكة بنت كعب الليثية ، كانت مذكورة بالجمال ، فدخلت إليها عائشة ، فقالت : ألا تستحين أن تتزوجي قاتل أبيك يوم الفتح ، فاستعيذي منه فإنه يعيذك ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : أعوذ بالله منك ، فأعرض عنها ، وقال : قد أعاذك الله مني وطلقها .

                                                                                                                                            والثامنة : امرأة من عفان ، تزوجها ، ورأى بكشحها لطخا فقال : ضمي إليك ثيابك والحقي بأهلك ، فهؤلاء ثمان فارقهن في حياته ، دخل منهن بثلاث والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية