فصل : فأما قول الشافعي : إن الله تعالى لما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم من وحيه . ففيه روايتان :
إحداهما : لما خص بكسر اللام وتخفيف الميم ، والأخرى : لما خص : بفتح اللام وتشديد الميم .
فمن روى بكسر اللام وتخفيف الميم حملها على معنى الشرط ، وجعل " ما " بمعنى الذي ، واللام قبلها للإضافة ، فيكون تقديره : أن الله تعالى لأجل من وحيه . ومن روى بفتح اللام وتشديد الميم حملها على معنى الخبر وجعل " ما " بمعنى بعد فيكون تقديره : أن الله تعالى خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحيه . وكلا الروايتين جائزة ، والأولى أظهر . الذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن قيل : فكيف جعل الشافعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالوحي ، وقد أوحى الله تعالى إلى غيره من الأنبياء ، قال الله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده [ النساء : 163 ] فعن ذلك ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه خص بالوحي من بين أهل عصره حتى بعث رسولا إلى جميعهم فكان مخصوصا بالوحي من بينهم .
[ ص: 9 ] والثاني : أنه خص بانتهاء الوحي وختم النبوة ، حتى لا ينزل بعده وحي ، ولا يبعث بعده نبي ، فصار خاتما للنبوة ، مبعوثا إلى الخلق كافة ، حتى بعث إلى الإنس والجن ، وقال صلى الله عليه وسلم : . وفيه تأويلان : أحدهما : إلى العرب والعجم ، والثاني : إلى الإنس والجن . بعثت إلى الأحمر والأسود
والثالث : أنه خص بالوحي الذي هو القرآن المعجز الذي يبقى إعجازه إلى آخر الدهر ، ويعجز عن معارضته أهل كل عصره ، وليس فيما أوحي إلى من قبله من الأنبياء إعجاز يبقى ، فصار بهذا الوحي مخصوصا .