مسألة : قال الشافعي : " ولا يخرج عن بلد وفيه أهله وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه : . فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم
قال الماوردي : وهذا كما قال ، عنه ، فإن نقلت فقد أساء ناقلها ، وفي إجزائها قولان : زكاة الأموال يجب أن يصرفها في بلد المال ولا يجوز نقلها
أحدهما : يجزئه ، وهو قول أبي حنيفة ويكون عنده مسيئا إلا أن تكون البلد الذي نقلها إليه أمس حاجة ، فلا يكون عنده مسيئا .
والقول الثاني : لا يجزئه نقلها وعليه الإعادة ، وبه قال مالك والثوري .
فإذا قيل بالأول أنه يجزئ وهو قول أبي حنيفة فدليله قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية ، فكان على عمومه . وروي قبيصة بن المخارق الهلالي وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني تحملت بحمالة فأعني ، فقال : نؤدها عنك إذا قدمت لنا نعم الصدقة ، فدل على أنه قد كانت تحمل إليه صدقات البلاد . أن
[ ص: 482 ] وروي أن عدي بن حاتم حمل صدقة قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إلى أبي بكر من بعده .
وروي أن معاذ بن جبل قال لأهل اليمن ائتوني بخميس ، أولبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير ، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة . فدل على أنه قد كان ينقل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة اليمن إلى المدينة ؛ ولأن ما لزم إخراجه للطهرة لم يختص ببلده كالكفارة ، ولأنه لما جاز فعل الصلاة في غير بلد الوجوب جاز نقل الزكاة إلى غير بلد الوجوب .
إذا قيل بالقول الثاني إن ذلك لا يجزئ وهو القول الأصح ، فدليله قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : . ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك فأعلمهم أن في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم
فجعل وجوب أخذها من أغنياء اليمن موجبا لردها على فقراء اليمن .
فإن قيل : فلا يمنع ذلك من نقلها عن بلد من بلاد اليمن إلى غيرها من بلاد اليمن وإن دل على المنع من نقلها إلى غير اليمن .
قيل لما جعل محل الوجوب محل التفرقة اقتضى أن يتميز فيها بلاد اليمن كما يتميز بها جميع اليمن على أن من جوز نقلها سوى في الجواز بين الإقليم الواحد والأقاليم ، ومن منع من نقلها سوى في المنع بين الإقليم الواحد والأقاليم وقد روي عن معاذ أنه قال : أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته . فجعله النقلة عن المكان بعد وجوب الزكاة فيه يمتنع من نقلها عنه ، وذلك صادر عنه بالأمر الذي تقدم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ، فصار كالمنقول عنه نصا ، ولأن حقوق الله تعالى ضربان :
أحدهما : على الأبدان .
والثاني : في الأموال .
فلما كان في حقوق الأبدان ما يختص بمكان دون مكان وهو الطواف والسعي والوقوف بعرفة وجب أن يكون في حقوق الأموال ما يختص بمكان دون مكان وهو الزكاة ، ولأن اختصاص الزكاة بالمكان كاختصاصها بأهل السهمان ، فلما لم يجز نقلها عن أهل السهمان لم يجز نقلها عن المكان .
وأما الأجوبة عن دلائل القول الأول ، فالآية قصدها بيان أهل السهمان دون المكان فلم يعدل بها عن مقصودها .
[ ص: 483 ] وأما حديث قبيصة بن المخارق فمحمول على أحد وجهين :
إما على ما في سواد المدينة من الصدقات ، أو على ما لم يوجد في بلد المال مستحق لها .
وأما قول معاذ " ائتوني بخميس أو لبيس " ، فإنه محمول على مال الجزية : لأن المهاجرين بالمدينة من بني هاشم وبني المطلب يصرف إليهم الجزية ولا تصرف إليهم الزكاة .
وأما عدي بن حاتم صدقات قومه ففيه أجوبة : نقل
أحدها : أنه يجوز أن يكون قومه حول المدينة وفي سوادها فنقل زكاتهم إلى أهل المدينة .
والثاني : أنه يجوز أن يكون نقلها ومستحقوها بالمدينة ليتولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمها فيهم .
والثالث : أنه أظهر الطاعة بنقلها لا سيما وقد منع الناس الزكاة على عهد أبي بكر ، ثم يجوز أن يكون ردها إليه ليفرقها ، على أنه قد روي عن أبي بكر أنه رد عليه صدقات قومه وأما الكفارة فالفرق بينهما وبين الزكاة في الجواز ما جعلوه فرقا بينهما في الكراهة لأنهم كرهوا نقل الزكاة ولم يكرهوا نقل الكفارة .
وكذلك الجواب عن الجمع بين الصلاة والزكاة أن الفرق بينهما في الكراهة فرق بينهما في الجواز على أن الصلاة لا ينتفع أهل البلد بإقامتها فيهم وينتفع أهل البلد بتفريق الزكاة فيهم ، فجاز أن يكون لهم في تفريق الزكاة حق وإن لم يكن لهم في إقامة الصلاة حق .