مسألة : قال
الشافعي : " ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال لأنهم أمناء على أخذه لأهله ولم نعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرها عاما لا يأخذها فيه . وقال
أبو بكرالصديق - رضي الله عنه - : لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها " .
قال
الماوردي : اعلم أن الأموال ضربان : ظاهرة وباطنة ، فالظاهرة هي المواشي والزروع والمعادن ، والباطنة الذهب والورق وعروض التجارات .
[ ص: 472 ] فأما الباطنة :
nindex.php?page=treesubj&link=3086_3089فأرباب التجارات وسائر الأموال الباطنة ؛ فصاحبها بالخيار في تفريقها بنفسه ، أو دفعها إلى الإمام العادل ليتولى تفريقها بنفسه ، ولا يلزم دفعها إليه وهو قول الجمهور ، وأما الظاهرة ففيها قولان :
أحدهما : قاله في القديم ، إن
nindex.php?page=treesubj&link=3087_3089على أربابها دفع زكاتها إلى الإمام ولا يجزئهم تفريقها بأنفسهم وبه قال
مالك وأبو حنيفة .
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد ، إن أربابها بالخيار في دفعها إلى الإمام ، أو تفريقها بأنفسهم ودليل قوله في القديم أن دفعها إلى الإمام واجب وهو مذهب
مالك وأبي حنيفة . قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم [ التوبة : 103 ] وإذا دلت هذه الآية على أن على الإمام الأخذ دلت على أن على الأرباب الدفع ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922049أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها على فقرائكم فدل ذلك من قوله على مثل ما دلت عليه الآية ، وقال
أبو بكر - رضي الله عنه - في مانعي الزكاة : لو منعوني عناقا أو عقالا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه . فوافقته الصحابة بعد مخالفته ، فدل على أن عليه الأخذ وعليهم الدفع بإجماع الصحابة ، ولأنه حق يتعلق بالمال الظاهر ، يصرف إلى الأصناف على أوصاف ؛ فوجب أن يكون تفرد الإمام به شرطا في إجزائه كالخمس .
ودليلنا ، قوله في الجديد إن
nindex.php?page=treesubj&link=3085تفرد أربابها بتفريقها يجوز لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [ البقرة : 271 ] فجعل كلا الأمرين مجزءا . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=274الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية [ البقرة : 274 ] فدل عموم الآيتين على جواز إخراج الصدقات فرضا ونفلا من غير تخصيص .
وروي
أن أبا ثعلبة الخشني حمل صدقته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فردها وحملها إلى أبي بكر فردها وحملها إلى عمر فردها ، فلو كان تفرده بإخراجها لا يجزئه لما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردها عليه : لأن فيه تضييعا لها من غير إجزاء ؛ ولأنه مال مخرج على وجه الطهرة ، فجاز أن ينفرد أربابه بإخراجه كالكفارات ، ولأن ما أخرج زكاة لم يجز دفعه إلى الإمام كالمال الباطن ، ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=3085من جاز له أن ينفرد بإخراج زكاة المال الباطن جاز له أن ينفرد بإخراج زكاة المال الظاهر كالإمام .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " وَلَا يَسَعُ الْوُلَاةَ تَرْكُهُ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَهْلِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا عَامًا لَا يَأْخُذُهَا فِيهِ . وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍالصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْوَالَ ضَرْبَانِ : ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ ، فَالظَّاهِرَةُ هِيَ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعُ وَالْمَعَادِنُ ، وَالْبَاطِنَةُ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَعُرُوضُ التِّجَارَاتِ .
[ ص: 472 ] فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=3086_3089فَأَرْبَابُ التِّجَارَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ ؛ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ فِي تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ ، أَوْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ لِيَتَوَلَّى تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ ، إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3087_3089عَلَى أَرْبَابِهَا دَفْعَ زَكَاتِهَا إِلَى الْإِمَامِ وَلَا يُجْزِئُهُمْ تَفْرِيقُهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ ، إِنَّ أَرْبَابَهَا بِالْخِيَارِ فِي دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ ، أَوْ تَفْرِيقِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ دَفْعَهَا إِلَى الْإِمَامِ وَاجِبٌ وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ . قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [ التَّوْبَةِ : 103 ] وَإِذَا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ الْأَخْذَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْأَرْبَابِ الدَّفْعَ ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922049أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ : لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا أَوْ عِقَالًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ . فَوَافَقَتْهُ الصَّحَابَةُ بَعْدَ مُخَالَفَتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْأَخْذَ وَعَلَيْهِمُ الدَّفْعُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الظَّاهِرِ ، يُصْرَفُ إِلَى الْأَصْنَافِ عَلَى أَوْصَافٍ ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَفَرُّدُ الْإِمَامِ بِهِ شَرْطًا فِي إِجْزَائِهِ كَالْخُمُسِ .
وَدَلِيلُنَا ، قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3085تَفَرُّدَ أَرْبَابِهَا بِتَفْرِيقِهَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ الْبَقَرَةِ : 271 ] فَجَعَلَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُجْزِءًا . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=274الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً [ الْبَقَرَةِ : 274 ] فَدَلَّ عُمُومُ الْآيَتَيْنِ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الصَّدَقَاتِ فَرْضًا وَنَفْلًا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ .
وَرُوِيَ
أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ حَمَلَ صَدَقَتَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهَا وَحَمَلَهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَرَدَّهَا وَحَمَلَهَا إِلَى عُمَرَ فَرَدَّهَا ، فَلَوْ كَانَ تَفَرُّدُهُ بِإِخْرَاجِهَا لَا يُجْزِئُهُ لَمَا اسْتَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا عَلَيْهِ : لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لَهَا مِنْ غَيْرِ إِجْزَاءٍ ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُخْرَجٌ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ أَرْبَابُهُ بِإِخْرَاجِهِ كَالْكَفَّارَاتِ ، وَلِأَنَّ مَا أُخْرِجَ زَكَاةً لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ إِلَى الْإِمَامِ كَالْمَالِ الْبَاطِنِ ، وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3085مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ كَالْإِمَامِ .