الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 309 ] باب ما يكون رجوعا في الوصية

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا أوصى لرجل بعبد بعينه ، ثم أوصى به لآخر فهو بينهما نصفان " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن للموصي الرجوع في وصيته ؛ لأنها عطية لم يزل عنها ملك معطيها فأشبهت الهبات قبل القبض ، وإنما ليس له الرجوع في عطايا مرضه لزوال ملكه .

                                                                                                                                            ثم الرجوع في الوصية يكون بقول أو دلالة على ما سنذكره .

                                                                                                                                            وإذا كان حكم الوصية جاريا على ما ذكرناه فصورة مسألتنا هذه في رجل أوصى بعبده لزيد ، ثم أوصى به لعمرو فقد اختلف الناس في حكم ذلك على أربعة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها وهو مذهب داود : أنه يكون وصية للأول دون الثاني كالبيع والنكاح .

                                                                                                                                            والثاني وهو مذهب الحسن وعطاء وطاوس : أنه يكون وصية للثاني دون الأول ؛ لأنه بالرجوع أشبه .

                                                                                                                                            والثالث وهو مذهب أبي عبد الرحمن الشافعي : أن الوصية بها باطلة لا تصح لواحد منها لإشكال حالهما .

                                                                                                                                            والرابع وهو مذهب الشافعي ومالك وأبى حنيفة : أنها تكون وصية لهما فتجعل بينهما نصفين .

                                                                                                                                            وهكذا لو أوصى به لثالث ، جعلناه بينهم أثلاثا ، ولو أوصى به لرابع جعلناه بينهم أرباعا .

                                                                                                                                            والدليل على ذلك ثلاثة معان :

                                                                                                                                            أحدها : أنه لما كان قوله في وقت واحد : " قد أوصيت بعبدي هذا لزيد وأوصيت به لعمر " ، كان بينهما إجماعا ، فوجب أن يتراخى بين الوصيتين وأن يكون بينهما حجابا ؛ إذ لا فرق بين اقتران الوصيتين وبين اقترانهما .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان لو أوصى بثلث ماله لزيد ، ثم أوصى بعد زمان بثلث ماله لعمرو وأن الثلث إذا لم تجز الورثة بينهما كذلك يكون العبد بينهما في الوصية .

                                                                                                                                            والثالث : أنه قد يجوز أن تكون الوصية الثانية رجوعا ، ويجوز أن تكون لنسيان الأولى ، ويحتمل أن يقصد بها التشريك بين الأول والثاني ، فوجب أن يحمل مع هذا [ ص: 310 ] الاحتمال على التشريك بينهما لاستوائهما في الوصية لهما ، وليس يلزم في الوصايا المطلقة تقديم الأول على الثاني ولا الثاني على الأول ، وإنما يلزم ذلك في العطايا الناجزة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية