الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا أوصى له بثمرة بستانه فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الثمرة موجودة فالوصية بها صحيحة وتعتبر قيمة الثمرة عند موت الموصي ، لا حين الوصية .

                                                                                                                                            فإن خرجت من الثلث فهي للموصى له .

                                                                                                                                            وإن خرج بعضها كان له منها قدر ما احتمله الثلث ، وكان الورثة شركاء فيها بما لم يحتمله الثلث منها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يوصي بثمرة لم تخلق أبدا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يوصي بثمرته على الأبد ، فالوصية جائزة وفيما يقوم في الثلث وجهان : أحدهما جميع البستان .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقوم كامل المنفعة ، ثم يقوم مسلوب المنفعة ، ثم يعتبر ما بين القيمتين من الثلث ، فإن احتمله نفذت الوصية بجميع الثمرة أبدا ما بقي البستان ، وإن احتمل بعضه كان للموصى له قدر ما احتمله الثلث يشارك فيه الورثة ، مثل أن يحتمل النصف ، فيكون للموصى له النصف من ثمرة كل عام ، وللورثة النصف الباقي .

                                                                                                                                            وإذا احتمل الثلث جميع القيمة ، وصارت الثمرة كلها للموصى له ، فإن احتاجت إلى سقي ، فلا يجب على الورثة السقي ، بخلاف بائع الثمرة ، حيث وجب عليه سقيها للمشتري [ ص: 228 ] إذا احتاجت إلى السقي ؛ لأن البائع عليه تسليم ما تضمنه العقد كاملا ، والسقي من كماله ، وليس كذلك الوصية ؛ لأن الثمرة تحدث على ملك الموصي ، ولا يجب على الموصى له سقيها ، لأنها بخلاف نفقة العبد ؛ لأن نفقة العبد مستحقة لحرمة نفسه ، بخلاف الثمرة ، وكذلك لو احتاجت النخل إلى سقي لم يلزم واحد منهما .

                                                                                                                                            وأيهما تطوع به لم يرجع به على صاحبه ، فإن مات النخل أو استقطع ، فأجذاعه للورثة دون الموصى له ، وليس للموصى له أن يغرس مكانه ، ولا إن غرس الورثة مكانه نخيلا ، وكان للموصى فيه حق ؛ لأن حقه في النخل الموصى له به دون غيره .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يوصي بثمر له مدة مقدرة ، كأن أوصى له بثمرة عشر سنين ، فمن أصحابنا من ذهب إلى بطلان الوصية مع التقدير بالمدة ، بخلاف المنفعة ؛ لأن تقويم المنفعة المقدرة ممكن وتقويم الثمار المقدرة بالمدة غير ممكن .

                                                                                                                                            وذهب سائر أصحابنا إلى جوازها كالمنفعة ، وفيما يقوم في الثلث وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يقوم البستان كامل المنفعة ، ويقوم مسلوب المنفعة ، ثم يعتبر ما بين القيمتين في الثلث ، والوجه الثاني : أن ينظر أوسط ما يثمره النخل غالبا في كل عام ، ثم يعتبر قيمة الغالب من قيمة الثمرة في أول عام ، ولا اعتبار بما حدث بعده من زيادة ونقص ، فإن خرج جميعه من الثلث ، فقد استحق جميع الثمرة في تلك المدة ، وإن خرج نصفه فله النصف من ثمرة كل عام ، إلى انقضاء تلك المدة ، وليس له أن يستكمل هذه كل عام في نصف تلك المدة ؛ لأنه قد تختلف ثمرة كل عام في المقادير والأثمان ، فخالف منافع العبد والدار .

                                                                                                                                            ومثل الوصية بثمرة البستان : أن تكون له ماشية فيوصي لرجل برسلها ونسلها .

                                                                                                                                            وتجب نفقة الماشية كوجوب نفقة العبد ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية