[ ص: 159 ] باب ميراث ولد الملاعنة
قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وقلنا إذا مات ولد الملاعنة وولد الزنا ورثت أمه حقها وإخوته لأمه حقوقهم ونظرنا ما بقي ، فإن كانت أمه مولاة ولاء عتاقة كان ما بقي ميراثا لموالي أمه ، وإن كانت عربية ، أو لا ولاء لها كان ما بقي لجماعة المسلمين ، وقال بعض الناس فيها بقولنا إلا في خصلة إذا كانت عربية ، أو لا ولاء لها فعصبته عصبة أمه ، واحتجوا برواية لا تثبت وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه كما جعلتم مواليه موالي أمه ؟ ( قلنا ) بالأمر الذي لم نختلف فيه نحن ولا أنتم ، ثم تركتم فيه قولكم أليس المولاة المعتقة تلد من مملوك ؟ أليس ولدها تبعا لولائها كأنهم أعتقوهم يعقل عنهم موالي أمهم ويكونون أولياء في التزويج لهم ؟ قالوا نعم ، قلنا : فإن كانت عربية أتكون عصبتها عصبة ولدها يعقلون عنهم ، أو يزوجون البنات منهم ؟ قالوا لا قلنا فإذا كان موالي الأم يقومون مقام العصبة في ولد مواليهم ، وكان الأحوال لا يقومون ذلك المقام في بني أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والأصل الذي ذهبنا إليه واحد ؟
قال الماوردي : وهذا كما قال : ولد الملاعنة ينتفي عن أبيه ويلحق بأمه لرواية مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلفوا في نفيه عن أبيه بماذا يكون من اللعان على ثلاثة مذاهب . ألحق ابن الملاعنة بأمه
أحدها وهو مذهب الشافعي : أنه بلعان الزوج وحده يقع الفرقة وينتفي عنه الولد .
والثاني وهو مذهب مالك أن بلعانهما جميعا تقع الفرقة وينتفي عنه الولد .
والثالث وهو مذهب أبي حنيفة أن بلعانها وحكم الحاكم تقع الفرقة وينتفي عنه الولد وحجاج هذا الخلاف يأتي في كتاب اللعان إن شاء الله .
[ ص: 160 ] فإذا انتفى الولد باللعان عن الزوج ولحق بالأم انتفى تعصيب النسب فقد اختلفوا هل تصير الملاعنة ، أو عصبتها عصبة له أم لا ؟ فمذهب الشافعي أنها لا تكون له عصبة ولا تصير أمه ولا عصبتها له عصبة ، وبه قال من الصحابة زيد بن ثابت وابن عباس في إحدى الروايتين عنه ، ومن التابعين سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ، ومن الفقهاء الزهري ومالك وقال أبو حنيفة : تصير أمه عصبة له ، ثم عصبتها من بعدها ، وبه قال ابن مسعود ، وقال أحمد بن حنبل : تصير عصبة الأم عصبة له ، وللأم فرضها ، وبه قال علي بن أبي طالب عليه السلام .
واستدل من جعل أمه وعصبتها عصبة له بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - . جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها
وما رواه عبد الواحد بن عبد الله البصري عن واثلة بن الأسقع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : . المرأة تحوز ثلث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه
وروي عن داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد بن عمر الأنصاري قال كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه ، وروي عن الشعبي قال : بعث أهل الكوفة رجلا إلى الحجاز في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ما بعثوه إلا في ميراث الملاعنة يسأل عنه ، فجاءهم الرسول أنه لأمه وعصبتها ، ولأن ، فلما ثبت عليه الولاء من جهة الأم إذا لم يكن عليه ولاء من جهة الأب جاز أن يثبت له بالتعصيب من قبل الأم إذا لم يثبت له بالتعصيب من جهة الأب ويتحرر منه قياسان : الولاء كالنسب في التعصيب والعقل
أحدهما : أن كل جهة جاز أن يثبت عليها الولاء فيها جاز أن يثبت عليه التعصيب منها كالأب .
والثاني : أن ما حيز به الميراث من جهة الأب جاز أن يحاز به من جهة الأم كالولادة .
ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، وقد فرض الله تعالى للأم الثلث ، فلا يجوز أن يزاد عليه ، وروى ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر الزهري عن شريك بن سحماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله تعالى لها ، وهذا نص ، ولأن كل من أدلى بمن لا تعصيب له لم يكن له تعصيب كابن العم للأم : لأنها قرابة بعتق يقدم عليها المعتق ، فلم يستحق بها الإرث كالرضاع ، ولأن كل من أحرز معه المولى المعتق جميع التركة لم يستحق الإرث بالقرابة كالعبد الكافر ، ولأن التعصيب قد يعدم بالموت مع معرفة النسب [ ص: 161 ] كما يعدم باللعان للجهل بالنسب ، فلما كان عدمه بالموت لا يوجب انتقاله إلى الأم وجب أن يكون عدمه باللعان لا يوجب انتقاله إلى الأم ، وتحريره قياسا أن عدم التعصيب من جهة لا يوجب انتقاله إلى غير جهته كالموت ، ولأن الأم لو صارت عصبة كالأب لوجب أن تحجب الإخوة كما يحجبهم الأب ، وفي إجماعهم على توريث الإخوة معها دليل على عدم تعصيبها ، ولأن استحقاق العصبة للميراث في مقابلة تحملهم للعقل وولاية النكاح ، فلما لم تعقل عصبة الأم ولم يزوجوا لم يرثوا . لاعن بين الزوجين وكانت حاملا فانتفى من ولدها ، فكان يدعى إليها
وتحريره قياسا أن ما تفرع من النسب لم يثبت إلا بثبوت النسب قياسا على العقل .
فأما الجواب عن حديث عمرو بن شعيب فهو أنه مرسل : لأن له جدين الأول منهما تابعي ، والثاني صحابي ، فإذا لم يعين أحدهما لحق بالمرسل ، فلم يلزم الاحتجاج به على أنه محتمل أنه جعل ميراثه لأمه إذا كان لها عليه ولاء ، ثم لورثته ولاؤها من بعدها وبمثله يجاب عن حديث واثلة بن الأسقع ، أو يحمل على أنها تحوز ميراثه وهو قدر فرضها ، ويستفاد به أن لعانها عليه لا يؤثر في سقوط ميراثها منه .
أما حديث داود بن أبي هند فمرسل ، ثم لا دليل فيه : لأنهم سألوا عن ولد الملاعنة لمن قضى به ؟ قالوا : قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه في كفالته والقيام بحضانته : لأنه لم يجز للميراث فيه ذكر .
وأما قياسهم على الولاء فالمعنى فيه أنه قد يثبت من جهة الأم كثبوته من جهة الأب ، وهو من جهة الأم أقوى وخالف النسب الذي لا يثبت إلا من جهة الأب فكذا ما تفرع عنه من التعصيب .