[ ص: 155 ] باب ميراث المشتركة
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " قلنا في المشتركة زوج وأم وأخوين لأم وأخوين لأب وأم ، للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين للأم الثلث ويشركهم بنو الأب والأم : لأن الأب لما سقط حكمه وصار كأن لم يكن وصاروا بني أم معا ( قال ) وقال محمد بن الحسن هل وجدت الرجل مستعملا في حال ، ثم تأتي حالة أخرى ، فلا يكون مستعملا . ( قلت ) نعم ما قلنا نحن وأنت وخالفنا فيه صاحبك من أن الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ، ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ، ولو نكحها بعد طلقة لم تنهدم كما تنهدم الثلاث : لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج لم يكن له معنى فنستعمله ( قال ) إنا لنقول بهذا فهل تجد مثله في الفرائض ؟ ( قلت ) نعم الأب يموت ابنه وللابن إخوة ، فلا يرثون مع الأب ، فإن كان الأب قاتلا ورثوا ولم يرث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال ومن زال حكمه فكمن لم يكن " .
قال الماوردي : وهذه المسألة تسمى المشتركة لاختلاف الناس في التشريك فيها بين ولد الأم وولد الأب والأم وتسمى الحمارية : لأن رجلا قال لعلي - عليه السلام - حين منع من التشريك : أعطهم بأمهم وهب أن أباهم كان حمارا .
أن يجتمع فيها أربعة أجناس زوج وأم ، أو يكون مكان الأم جدة وولد الأم أقلهم اثنان أخوان ، أو أختان ، أو أخ وأخت ذو فرض ، ومن لا فرض له من ولد الأب والأم أخ ، أو أخوان ، أو أخ وأخت ، فإذا استكملت شروطها على ما ذكرنا كان للزوج النصف ، وللأم أو الجدة السدس وللأخوين من الأم الثلث ، واختلفوا هل يشاركهم فيه الأخوان من الأب والأم أم لا ؟ فمذهب وشروط المشتركة الشافعي أن ولد الأب والأم يشاركون ولد الأم في ثلثهم ويقتسمونه بالسوية بين ذكورهم وإناثهم ، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضوان الله عليهما - ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وشريح وسعيد بن المسيب وطاوس وابن سيرين ، ومن الفقهاء مالك والنخعي والثوري وإسحاق وقال أبو حنيفة : ولد الأم يختصون بالثلث ولا يشاركهم فيه ولد الأب والأم ، وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم ، ومن التابعين الشعبي ، ومن الفقهاء ابن أبي ليلى وأبو [ ص: 156 ] يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداود ، وروي عن زيد وابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم - القولان معا ، أما زيد فروى الشعبي عنه أنه لم يشرك ، وروى النخعي عنه أنه شرك وهو المشهور عنه ، وقال وكيع بن الجراح : ما أجد أحدا من الصحابة - رضي الله عنهم - إلا وقد اختلف عنه في المشتركة إلا علي بن أبي طالب - عليه السلام - فإنه لم يختلف عنه أنه لم يشرك ، وأتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في العام الأول فلم يشرك وأتى في الثاني فشرك وقال تلك على ما قضينا وهذه على ما تقضى ، فأما من منع من التشريك فاستدل عليه بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : فمنع من مشاركة العصبة لذوي الفروض وإعطائهم ما فضل عنها إن فضل ، وليس في المشتركة بعد الفروض فضل فلم تكن لهم مشاركة ذي فرض لأنهم عصبة ، فلم يجز أن يشاركوا ذوي الفروض كالإخوة للأب ، ولأن من كان عصبة سقط عند استيعاب الفروض للتركة قياسا على زوج وأم وجد وأخ جاز لما استوعب الزوج والأم والجد المال فرضا سقط الأخ ، ولأن كل أخ حاز جميع المال إذا انفرد جاز أن يكون بعصبته موجبا لحرمانه قياسا على زوج وأخت للأب وأم لو كان معها أخ لأب سقط ، ولو كان مكانه أخت للأب كان لها السدس ، فكان تعصيب الأخ موجبا لحرمانه سدس الأخت ، كذلك تعصيب ولد الأب والأم يمنعهم من مشاركة ولد الأم ، ولأنه لما جاز أن يفضل ولد الأم على ولد الأب والأم مع إدلاء جميعهم بالأم جاز أن يختصوا بالفرض دونهم ، وإن أدلى جميعهم بالأم ، ألا ترى لو كانت الفريضة زوجا وأما وأخا لأم وعشرة إخوة لأب وأم أن للأخ من الأم السدس ولجميع الإخوة للأب والأم وهم عشرة السدس ، فلما لم يمتنع أن يفضل عليهم لم يمتنع أن يختص بالإرث دونهم . اقسم المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى عصبة ذكر
قالوا : ولأنه لو جاز أن يكون ولد الأب والأم يشاركوا ولد الأم في فرضهم إذا لم يرثوا بأنفسهم لمشاركتهم لهم في الإدلاء بالأم لجاز إذا كانت الفريضة بنتا وأختا لأب وأم وأختا لأب أن يكون للبنت النصف ويكون النصف الباقي بين الأخت للأب والأم والأخص للأب لاشتراكهما في الإدلاء بالأم ، ولا يفضل ذلك بالأم : لأن ولد الأم لا يرث مع البنت ، وفي الإجماع على إسقاط هذا القول دليل على إسقاط التشريك بين ولد الأم وولد الأب والأم . قالوا : ولأنه لو جاز أن يكون ولد الأب والأم يشاركون ولد الأم في فرضهم إذا لم يرثوا بأنفسهم لمشاركتهم لهم في الإدلاء بالأم لجاز إذا كانت الفريضة بنتا وأختا لأب وأم وأختا لأب أن يكون للبنت النصف ويكون النصف الباقي بين الأخت للأب والأم والأخت للأب لاشتراكها في الإدلاء بالأب ولا يفضل تلك بالأم : لأن ولد الأم لا يرث مع البنت وفي الإجماع على إسقاط هذا القول دليل على إسقاط التشريك بين ولد الأم وولد الأب والأم .
قالوا : ولأنه لو جاز أن يرث ولد الأب والأم بالفرض إذا لم يرثوا بالتعصيب لجاز أن [ ص: 157 ] يجمع لهم بين الفرض والتعصيب فيشاركوا ولد الأم في فرضهم ويأخذون الباقي بعد الفرض بتعصيب وفي إبطال هذا إبطال لفرضهم .
ودليلنا على التشريك عموم قوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون [ النساء 17 ] فاقتضى ظاهر هذا العموم استحقاق الجميع إلا من حصة الدليل ولأنهم ساووا ولد الأم في رحمهم ، فوجب أن يشاركوهم في ميراثهم قياسا على مشاركة بعضهم لبعض ولأنهم بنو أم واحدة ، فجاز أن يشتركوا في الثلث قياسا عليهم إذا لم يكن فيهم ولد أب ، ولأن كل من جاز إذا لم يرث بأحدهما أن يرث بالآخر قياسا على ابن العم إذا كان أخا لأم ، ولأن كل من فيه معنى التعصيب والفرض جاز إذا لم يرث بالتعصيب أن يرث بالفرض قياسا على الأب ، ولأن أصول المواريث موضوعة على تقديم الأقوى على الأضعف ، وأدنى الأحوال مشاركة الأقوى للأضعف ، وليس في أصول المواريث سقوط الأقوى بالأضعف ، وولد الأب والأم أقوى من ولد الأم لمشاركتهم في الأم وزيادتهم بالأب ، فإذا لم يزدهم الأب قوة لم يزدهم ضعفا ، وأسوأ حاله أن يكون وجوده كعدمه كما قال السائل : هب أن أباهم كان حمارا . أدلى بسببين يرث بكل واحد منهما على الانفراد
فأما الجواب عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فما أبقت الفرائض فلأولى ذكر ، فهو أن ولد الأب والأم يأخذون بالفرض لا بالتعصيب ، فلم يكن في الخبر دليل على منعهم .
وأما قياسهم على الإخوة للأب فالجواب عنه : أنهم لا يأخذون بالفرض لعدم إدلائهم بالأم ، وخالفهم ولد الأب والأم ، وأما استدلالهم بأن من كان عصبة سقط عند استيعاب الفروض لجميع التركة .
فالجواب عنه : إن تعصيب ولد الأب والأم قد سقط ، وليس سقوط تعصيبهم يوجب سقوط رحمهم كالأب إذا سقط أن يأخذ بالتعصيب لم يوجب سقوط أخذه بالفرض .
فإن ، سقط الأخ : لأنه الجد يأخذ فرضه برحم الولادة ، فجاز أن يسقط مع الأخ لفقد هذا المعنى فيه وخالف ولد الأم لمشاركته له من جهة الأم . كانت المسألة زوجا وأما وجدا وأخا
وأما استدلالهم بأن من حاز جميع المال بالتعصيب جاز أن يكون بعصبته سببا لحرمانه كزوج وأخت لأب وأم وأخت لأب لو كان مكانها أخ لأب سقط .
فالجواب أن الأخ للأب ليس له سبب يرث به إلا بالتعصيب وحده ، فلم يجز أن يدخل بمجرد التعصيب على ذوي الفرض .
ألا ترى أنه لو اجتمع في هذه المسألة مع الأخت للأب الأخ للأب أسقطها : لأنه نقلها عن الفرض إلى التعصيب ، وليس كذلك الإخوة للأب والأم : لأن لهم رحما بالأم يجوز أن يشاركوها ولد الأم ، ألا ترى أنهم لو اجتمعوا معهم لم يسقطوهم ، فكذلك لم يسقطوا بهم .
[ ص: 158 ] وأما استدلالهم بأنه لما جاز أن يفضل ولد الأم على ولد الأب والأم جاز أن يسقطوا بهم ، فالجواب عنه أنه لما جاز أن يفضلوا عليهم : لأنهم ورثوا بتعصيبهم دون أمهم وميراثهم بالتعصيب أقوى : لأنهم قد يأخذون به الأكثر ، فجاز أن يأخذوا به الأقل ، فإذا سقط تعصيبهم لم يسقطوا برحمهم : لأنها أقل حالتهم فلهذا المعنى جاز أن يفضلوهم ولم يجز أن يسقطوهم ، وأما استدلالهم بالبنت والأخت للأب والأم والأخت للأب فالجواب عنه أن البنت إنما تسقط من الإخوة والأخوات من تفرد إدلاؤه بالأم ، فإذا اجتمع الأمران في واحد لم يسقط ، ثم رأينا من جمع الإدلاء بالأبوين أقوى ، فجاز أن يكون أحق وهذا بخلاف المشتركة : لأن المخالف فيها جعل الأضعف أقوى وأحق فأين وجه الجمع بين المضادة وكيف طريق الاستدلال مع التباين ؟
وأما استدلالهم بأنهم لو ورثوا بالفرض لجمعوا بين التعصيب والفرض كالأب ، فالجواب عنه أن الفرض منهم أضعف من التعصيب : لأن الميراث به اجتهاد عن نص ، فلم يجز أن يجمع لهم بين التعصيب الأقوى والفرض الأضعف ، وليس كذلك فرض الأب لقوته ومساواته التعصيب الذي فيه ، فجاز أن يجتمع له الميراثان .