مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا ألزمته ما يلزمه قبل إقراره وفي إلزامه الرق قولان : أحدهما أن إقراره يلزمه في نفسه وفي الفضل من ماله عما لزمه ولا يصدق في حق غيره ، ومن قال أصدقه في الكل قال : لأنه مجهول الأصل ، ومن قال القول الأول قاله في امرأة نكحت ثم أقرت بملك لرجل لا أصدقها على إفساد النكاح ولا ما يجب عليها للزوج وأجعل طلاقه إياها ثلاثا ، وعدتها ثلاث حيض وفي الوفاة عدة أمة : لأنه ليس عليها في الوفاة حق يلزمها له ، وأجعل ولده قبل الإقرار ولد حرة وله الخيار ، فإن أقام على النكاح كان ولده رقيقا وأجعل ملكها لمن أقرت له بأنها أمته " ( قال بلغ اللقيط فاشترى وباع ونكح وأصدق ، ثم أقر بالرق لرجل المزني ) رحمه الله : " أجمعت العلماء أن من أقر بحق لزمه ومن ادعاه لم يجب له بدعواه ، وقد لزمتها حقوق بإقرارها فليس لها إبطالها بدعواها " .
قال الماوردي : وصورة هذه المسألة في : لأنه ممكن من ذلك كله ولا يمنع منه بالإشكال ، سواء قيل إنه حر في الظاهر ، أو مجهول الأصل ، فإذا وجد ذلك منه وجرت أحكام الحرية عليه ظاهرا ثم جاء رجل فادعى رقه وأنه عبده ، فلا يخلو أن يكون له بينة تشهد له برقه أو لا يكون ، فإن أقام برقه بينة على ما تقدم من وصف البينة حكمنا له برقه وأجرينا عليه أحكام العبيد في الماضي من حاله وفي المستقبل ، فما بطل من عقوده الماضية بالرق أبطلناه وما وجب [ ص: 64 ] استرجاعه من غرم أو مال استرجعناه ، وسواء في ذلك ما ضر غيره أو نفعه ، أو نفع غيره وضره : لأن البينة حجة عليه وعلى غيره ، وإن لم يكن للمدعي بينة فلا يخلو أن يقر اللقيط له بالرق أو ينكره ، فإن أنكره حلف له وهو على ظاهر حريته ، وإن أقر له بالرق فلا يخلو أن يكون قد اعترف قبل ذلك بالحرية أو لم يعترف ، فإن كان قبل ذلك قد اعترف بالحرية لم يقبل إقراره بالرق إلا أن تقوم بينة : لأن اعترافه بالحرية قد تعلق به حق الله تعالى وإن تضمنه حق لنفسه ، فلم يكن له إبطال حق الله تعالى وإن أبطل حق نفسه ، وإن لم يكن قد اعترف قبل ذلك بالحرية قبل إقراره بالرق ، سواء قيل بجهالة أصله أو بظاهر حريته : لأن إقراره على نفسه أقوى من حكم الظاهر ، ولأن الكفر بالله تعالى أغلظ من الرق ، ثم كان قوله لو بلغ مقبولا في الكفر ، فأولى أن يكون مقبولا في الرق . لقيط بلغ فجرت عليه أحكام الأحرار في عقوده وأفعاله اعتبارا بظاهر حاله في الحرية