فصل : والضرب الثاني ، فإن كانت البينة لإحداهما دون الأخرى حكم به لذات البينة ولحق بزوجها إلا أن ينفيه باللعان ، وإن أقامت كل واحدة منهما بينة على ولادته قال أن يكون لهما عند التنازع فيه بينة تشهد على ولادته بأربع نسوة عدول أبو حنيفة : ألحقته بهما بالبينة وأجعله ابنا لكل واحدة منهما ولزوجها ، وأجعل كل واحدة منهما وزوجها أما له وأبا ، قال : وإنما قلت ذلك لأن الضرورة عند امتناع الممتنعين إذا لم يترجح أحدهما يوجب الحكم بهما ، كاللعان قد امتنع به صدقهما ، ثم حكم به بينهما ، وكاختلاف المتبايعين إذا تحالفا عليه ، وقد أوجب فسخ العقد بينهما ، وإن علم بالضرورة أنه لإحداهما ، فهذا القول مع خطئه مستحيل ومع استحالته شنيع واستحالة لحوقه بالاثنين أعظم من استحالة لحوقه بالأبوين : لأنه لا يمنع ماء الرجلين في رحم واحد ويمتنع خروق الولد الواحد في رحمين ، وقد قال الله تعالى : إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم [ المجادلة : 2 ] أخبر أن أمه هي التي تلده ، فإن لحق الولد بهما اقتضى ذلك ولادتها ، وفي القول بهذا من الاستحالة ما تدفعه بذاته العقول ويمنع منه الحسن الفطن ولا يحتاج مع الملاحظة إلى دليل ، ولا مع التصور إلى تعليل ، وحسب ما هذه حالة اطرادا واستقباحا ، لا سيما مع ما يقضي هذا القول إما مذهبا وإما إلزاما إلى أن يصير الولد الواحد ملحقا بنساء القبيلة ورجالها ، ثم بنساء المدينة ورجالها ، ثم بنساء الدنيا ورجالها ، ونعوذ بالله من قول هذه نتيجته ومذهب هذه قاعدته ، فأما اللعان فما حكمنا فيه بصدقها مستحيل ، وإنما علقنا عليه حكما قد أسماه الصادق منهما اقتضى ذلك نفيه من أحدهما ، وأما التحالف في اختلاف المتبايعين فإنما أوجب إبطال ما اختلفا فيه دون إثباته .