فصل : فإذا تقرر جواز الاستثناء من جنس وغير جنس ،
nindex.php?page=treesubj&link=21183فألفاظ الاستثناء إلا وغير ، وعدا ، وخلا ، وما خلا ، وحاشا وجميعها في الحكم وصحة الاستثناء واحد .
فأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=15750قال له : علي ألف أستثني مائة ، أو أحط مائة ، أو أندر مائة فقد اختلف أصحابنا :
هل يكون ذلك استثناء صحيحا أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون استثناء صحيحا ؛ لأنه قد صرح بحكمه فأغنى عن لفظه .
والوجه الثاني : لا يصح الاستثناء به ؛ لأنه موعد بالاستثناء كما إذا قال : أستثني ، أو أحط بغير الاستثناء إذا قال أحط ، أو أندر .
ثم لا يصح الاستثناء إلا أن يكون متصلا ، فإن انفصل بطل لاستقرار الحكم الأول . ولا يخلو إذا اتصل من ثلاثة أحوال :
إما أن يرفع كل الجملة .
أو يرفع أقلها .
أو يرفع أكثرها .
فإن رفع كل الجملة كان باطلا كقوله :
nindex.php?page=treesubj&link=15752علي ألف إلا ألفا ؛ لأن هذا رجوع وليس باستثناء .
وإن رفع الأقل صح كقوله :
nindex.php?page=treesubj&link=15750ألف إلا مائة ، أو إلا أربعمائة فيصير الباقي من الألف بعد الاستثناء أربعمائة أكثر الألف ، هو ستمائة ، ويكون هذا المراد بالإقرار ، ولا يكون ما خرج بالاستثناء مرادا باللفظ وجرى مجرى قوله : له علي ستمائة درهم .
ألا ترى - قوله تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما [ العنكبوت : 14 ] .
وإن رفع الأكثر كقوله : ألف إلا تسعمائة ، أو إلا ستمائة ، فالذي عليه الفقهاء وأكثر أهل اللغة أنه استثناء صحيح حتى لو بقي من الألف بعد الاستثناء درهم صح .
[ ص: 21 ] قال
ابن درستويه النحوي : لا يجوز الاستثناء إلا أن يبقى أكثر من نصف الجملة لأمرين :
أحدهما : أن الاستثناء لغة يوجد سماعا ، ولم يرد استثناء أكثر الجملة كما لم يرد استثناء كل الجملة .
والثاني : أن الاستثناء تبع لباقي الجملة فلم يجز أن يكون أكثر منها ؛ لأن الأكثر لا يكون تبعا للأقل .
وهذا خطأ ، قال الله تبارك وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=40إلا عبادك منهم المخلصين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=41قال هذا صراط علي مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [ الحجر : 39 - 42 ] .
فاستثنى الغاوين من المخلصين تارة ، والمخلصين من الغاوين أخرى ، وإحدى الطائفتين أكثر من الأخرى فدل على جواز استثناء الأكثر ، ولأن استثناء الأكثر موجود في كلامهم وظاهر في أشعارهم . قال الشاعر :
ردوا التي نقصت تسعين عن مائة ثم ابعثوا حكما بالحق قوالا
ولأن الخارج بالاستثناء غير داخل في اللفظ ، ولا مراد به فاستوى حكم قليله وكثيره ، وإذا كان كذلك وقال : له علي ألف إلا تسعمائة صح ، وكان المراد باللفظ مائة ، وجرى مجرى قوله : له علي مائة .
فلو قال : له علي ألف ، وألف ، وألف إلا ألفا ، ففي صحة الاستثناء وجهان :
أحدهما : أنه باطل ؛ لأنه استثنى ألفا من الألف فبطل ولزمه ثلاثة آلاف .
والوجه الثاني : صحيح ؛ لأن إقراره بثلاثة آلاف وإن كان بثلاثة ألفاظ فصح أن يستثني منها ألفا ويبقى عليه ألفان ، وهكذا يصح أن يستثني ألفين ؛ لأنه يعود إلى كل الجملة ، ويبقى عليه ألف .
ومثله في الطلاق أن
nindex.php?page=treesubj&link=11783يقول لها : أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة فيكون على هذين الوجهين .
[ ص: 22 ] ويجوز أن يتعاقب الاستثناء بعده استثناء ثان ، ويتعقب الثاني ثالث ، ويتعقب الثالث رابع إلا أن كل استثناء يعود إلى ما يليه فيثبت ضد حكمه ؛ لأن الاستثناء إن عاد إلى إثبات كان نفيا وإن عاد إلى نفي كان إثباتا ألا تراه لو قال : رأيت
أهل البصرة إلا
بني تميم كان ينفي رؤية
بني تميم مثبتا لرؤية
أهل البصرة .
وقد جاء كتاب الله تعالى بذلك في - قوله تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته [ الحجر : 58 - 61 ] فاستثنى
آل لوط من المجرمين ثم استثنى امرأته من
آل لوط .
فإذا قال : علي ألف إلا خمسمائة إلا ثلاثمائة إلا مائتين إلا مائة كان هذا إقرارا بسبعمائة ؛ لأن قوله : علي ألف إثبات لها ثم إلا خمسة نفي لها من الألف ، فيبقى منها خمسمائة ، ثم قوله إلا ثلاثة إثبات لها من الخمسمائة التي نفاها ، فيضم إلى المثبت فتصير ثمانمائة ثم قوله إلا مائتين نفي لها من الثلاثمائة التي أثبتها ، فتخرج من المثبت فيبقى ستمائة ، ثم قوله إلا مائة إثبات لها من المائتين التي نفاها فتضم إلى الباقي من الإثبات وهو ستمائة درهم فيصير الإقرار بسبعمائة ؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين إثباتين ، ولا بين نفيين ولكن لو قال له : علي ألف إلا مائتين ، وإلا مائة كانا جميعا نفيا من الألف ؛ لأنه جمع بينهما بواو العطف فلم يعد أحدهما إلى الآخر وعاد جميعا إلى الجملة .
فأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=15752_15750قال : له علي ألف إلا ألف إلا مائة ، ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يكون عليه ألف .
والثاني : يكون عليه تسعمائة .
والثالث : يكون عليه مائة .
فإذا قلنا : إن عليه ألفا فوجهه أن الاستثناء الأول رفع جميع الجملة فبطل ، والاستثناء الثاني رجع إلى استثناء باطل فبطل فلزمه آلاف لبطلان الاستثناء منها .
فإذا قلنا : يلزمه تسعمائة فوجهه أن الاستثناء الأول بطل لرفعه الجملة فأقيم الثاني مقامه وهو مائة فصار الباقي من الألف تسعمائة .
وإذا قلنا : يلزمه مائة فوجهه أن الاستثناء الأول إنما يرفع الجملة إذا لم يعقبه استثناء ، فإذا يعقبه استثناء مائة صار الباقي من الاستثناء الأول تسعمائة فإذا رجعت إلى الألف كان الباقي منها مائة .
[ ص: 23 ] ومثله في الطلاق أن
nindex.php?page=treesubj&link=11783يقول : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة فيكون على الأوجه الثلاثة .
فلو قال : له علي ألف درهم ومائة دينا إلا خمسين فأراد بالخمسين المستثناة جنسا غير الدراهم ، والدنانير قبل منه . وإن أراد أحد الجنسين من الدراهم ، أو الدنانير ، أو هما قبل منه . وإن فات بيانه فعند
أبي حنيفة يعود إلى ما يليه . وعندنا أنه يعود إلى المالين المذكورين من الدراهم ، والدنانير ، ثم على وجهين :
أحدهما : يعود إلى كل واحد منهما جميع الاستثناء فيستثنى من الألف درهم خمسون ومن المائة دينار خمسون .
والوجه الثاني : أنه يعود إليهما نصفين فيستثنى من الدراهم خمسة وعشرون ومن الدنانير خمسة وعشرون .
فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسٍ وَغَيْرِ جِنْسٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21183فَأَلْفَاظُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَّا وَغَيْرُ ، وَعَدَا ، وَخَلَا ، وَمَا خَلَا ، وَحَاشَا وَجَمِيعُهَا فِي الْحُكْمِ وَصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَاحِدٌ .
فَأَمَّا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=15750قَالَ لَهُ : عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَثْنِي مِائَةً ، أَوْ أَحُطُّ مِائَةً ، أَوْ أَنْدُرُ مِائَةً فَقْدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا :
هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً صَحِيحًا أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يَكُونُ اسْتِثْنَاءً صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِحُكْمِهِ فَأَغْنَى عَنْ لَفْظِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْعِدٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا إِذَا قَالَ : أَسْتَثْنِي ، أَوْ أَحُطُّ بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا قَالَ أَحُطُّ ، أَوْ أَنْدُرُ .
ثُمَّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا ، فَإِنِ انْفَصَلَ بَطَلَ لِاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ . وَلَا يَخْلُو إِذَا اتَّصَلَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ :
إِمَّا أَنْ يَرْفَعَ كُلَّ الْجُمْلَةِ .
أَوْ يَرْفَعَ أَقَلَّهَا .
أَوْ يَرْفَعَ أَكْثَرَهَا .
فَإِنْ رَفَعَ كُلَّ الْجُمْلَةِ كَانَ بَاطِلًا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=15752عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا ؛ لِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ .
وَإِنْ رَفَعَ الْأَقَلَّ صَحَّ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=15750أَلْفٌ إِلَّا مِائَةً ، أَوْ إِلَّا أَرْبَعَمِائَةٍ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مِنَ الْأَلْفِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَرْبَعَمِائَةٍ أَكْثَرُ الْأَلْفِ ، هُوَ سِتُّمِائَةٍ ، وَيَكُونُ هَذَا الْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ ، وَلَا يَكُونُ مَا خَرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ مُرَادًا بِاللَّفْظِ وَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ .
أَلَا تَرَى - قَوْلَهُ تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [ الْعَنْكَبُوتِ : 14 ] .
وَإِنْ رَفَعَ الْأَكْثَرَ كَقَوْلِهِ : أَلْفٌ إِلَّا تِسْعُمِائَةٍ ، أَوْ إِلَّا سِتُّمِائَةٍ ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنَ الْأَلْفِ بَعْدِ الِاسْتِثْنَاءِ دِرْهَمٌ صَحَّ .
[ ص: 21 ] قَالَ
ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ : لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا أَنْ يَبْقَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْجُمْلَةِ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لُغَةٌ يُوجَدُ سَمَاعًا ، وَلَمْ يَرِدِ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرِ الْجُمْلَةِ كَمَا لَمْ يَرِدِ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ الْجُمْلَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَبَعٌ لِبَاقِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَقَلِّ .
وَهَذَا خَطَأٌ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=40إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=41قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [ الْحِجْرِ : 39 - 42 ] .
فَاسْتَثْنَى الْغَاوِينَ مِنَ الْمُخَلَصِينَ تَارَةً ، وَالْمُخْلَصِينَ مِنَ الْغَاوِينَ أُخْرَى ، وَإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَكْثَرُ مِنَ الْأُخْرَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ ، وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِهِمْ وَظَاهِرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ . قَالَ الشَّاعِرُ :
رُدُّوا الَّتِي نَقَصَتْ تِسْعِينَ عَنْ مِائَةٍ ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْحَقِّ قَوَّالَا
وَلِأَنَّ الْخَارِجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي اللَّفْظِ ، وَلَا مُرَادٌ بِهِ فَاسْتَوَى حُكْمُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا تِسْعُمِائَةٍ صَحَّ ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ مِائَةً ، وَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ .
فَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ، وَأَلْفٌ ، وَأَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا ، فَفِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَلْفًا مِنَ الْأَلْفِ فَبَطَلَ وَلَزِمَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ فَصَحَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَلْفًا وَيَبْقَى عَلَيْهِ أَلْفَانِ ، وَهَكَذَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إِلَى كُلِّ الْجُمْلَةِ ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ أَلْفٌ .
وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11783يَقُولَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ إِلَّا وَاحِدَةً فَيَكُونُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .
[ ص: 22 ] وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَاقَبَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ ثَانٍ ، وَيَتَعَقَّبَ الثَّانِي ثَالِثٌ ، وَيَتَعَقَّبَ الثَّالِثَ رَابِعٌ إِلَّا أَنَّ كُلَّ اسْتِثْنَاءٍ يَعُودُ إِلَى مَا يَلِيهِ فَيُثْبِتُ ضِدَّ حُكْمِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنْ عَادَ إِلَى إِثْبَاتٍ كَانَ نَفْيًا وَإِنْ عَادَ إِلَى نَفْيٍ كَانَ إِثْبَاتًا أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ : رَأَيْتُ
أَهْلَ الْبَصْرَةِ إِلَّا
بَنِي تَمِيمٍ كَانَ يَنْفِي رُؤْيَةَ
بَنِي تَمِيمٍ مُثْبِتًا لِرُؤْيَةِ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ .
وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي - قَوْلِهِ تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ [ الْحِجْرِ : 58 - 61 ] فَاسْتَثْنَى
آلَ لُوطٍ مِنَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ اسْتَثْنَى امْرَأَتَهُ مِنْ
آلِ لُوطٍ .
فَإِذَا قَالَ : عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا خَمْسَمِائَةٍ إِلَّا ثَلَاثَمِائَةٍ إِلَّا مِائَتَيْنِ إِلَّا مِائَةً كَانَ هَذَا إِقْرَارًا بِسَبْعِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : عَلَيَّ أَلْفٌ إِثْبَاتٌ لَهَا ثُمَّ إِلَّا خَمْسَةً نَفْيٌ لَهَا مِنَ الْأَلْفِ ، فَيَبْقَى مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ ، ثُمَّ قَوْلُهُ إِلَّا ثَلَاثَةً إِثْبَاتٌ لَهَا مِنَ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي نَفَاهَا ، فَيُضَمُّ إِلَى الْمُثْبَتِ فَتَصِيرُ ثَمَانِمِائَةٍ ثُمَّ قَوْلُهُ إِلَّا مِائَتَيْنِ نَفْيٌ لَهَا مِنَ الثَّلَاثِمِائَةِ الَّتِي أَثْبَتَهَا ، فَتَخْرُجُ مِنَ الْمُثَبَتِ فَيَبْقَى سِتُّمِائَةٍ ، ثُمَّ قَوْلُهُ إِلَّا مِائَةً إِثْبَاتٌ لَهَا مِنَ الْمِائَتَيْنِ الَّتِي نَفَاهَا فَتُضَمُّ إِلَى الْبَاقِي مِنَ الْإِثْبَاتِ وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَصِيرُ الْإِقْرَارُ بِسَبْعِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إِثْبَاتَيْنِ ، وَلَا بَيْنَ نَفْيَيْنِ وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهُ : عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا مِائَتَيْنِ ، وَإِلَّا مِائَةً كَانَا جَمِيعًا نَفْيًا مِنَ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِوَاوِ الْعَطْفِ فَلَمْ يَعُدْ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَعَادَ جَمِيعًا إِلَى الْجُمْلَةِ .
فَأَمَّا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=15752_15750قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا أَلْفٌ إِلَّا مِائَةٌ ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : يَكُونُ عَلَيْهِ أَلْفٌ .
وَالثَّانِي : يَكُونُ عَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ .
وَالثَّالِثُ : يَكُونُ عَلَيْهِ مِائَةٌ .
فَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ رَفَعَ جَمِيعَ الْجُمْلَةِ فَبَطَلَ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي رَجَعَ إِلَى اسْتِثْنَاءٍ بَاطِلٍ فَبَطَلَ فَلَزِمَهُ آلَافٌ لِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا .
فَإِذَا قُلْنَا : يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ فَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بَطَلَ لِرَفْعِهِ الْجُمْلَةَ فَأُقِيمَ الثَّانِي مَقَامَهُ وَهُوَ مِائَةٌ فَصَارَ الْبَاقِي مِنَ الْأَلْفِ تِسْعُمِائَةٍ .
وَإِذَا قُلْنَا : يَلْزَمُهُ مِائَةٌ فَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ إِنَّمَا يَرْفَعُ الْجُمْلَةَ إِذَا لَمْ يَعْقُبْهُ اسْتِثْنَاءٌ ، فَإِذَا يَعْقُبُهُ اسْتِثْنَاءُ مِائَةٍ صَارَ الْبَاقِي مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ تِسْعُمِائَةٍ فَإِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْأَلْفِ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا مِائَةً .
[ ص: 23 ] وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11783يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً فَيَكُونُ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ .
فَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةٌ دَيْنًا إِلَّا خَمْسِينَ فَأَرَادَ بِالْخَمْسِينَ الْمُسْتَثْنَاةِ جِنْسًا غَيْرَ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ قُبِلَ مِنْهُ . وَإِنْ أَرَادَ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ ، أَوِ الدَّنَانِيرِ ، أَوْ هُمَا قُبِلَ مِنْهُ . وَإِنْ فَاتَ بَيَانُهُ فَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ يَعُودُ إِلَى مَا يَلِيهِ . وَعِنْدَنَا أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، ثُمَّ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يَعُودُ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ الِاسْتِثْنَاءِ فَيُسْتَثْنَى مِنَ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ وَمِنَ الْمِائَةِ دِينَارٍ خَمْسُونَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَعُودُ إِلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَيُسْتَثْنَى مِنَ الدَّرَاهِمِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَمِنَ الدَّنَانِيرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ .