مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن ابن المسيب قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ولا يجوز بحال ، أما بيع الفرد فنذكره من بعد . ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن عسب الفحل
قال الماوردي : وأما عسب الفحل الذي توجه النهي إليه : هو فجعلوا الأجرة هي العسب ، وقال آخرون : وهو الصحيح أن عسب الفحل هو ماؤه الذي يطرق به الإناث وينزو عليها . أجرة طرق الفحل ونزوه ،
فأما أن يكون العسب هو الأجرة فلا يوضح ذلك : لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى ثمن عسب الفحل . فلا يصح أن يعود النهي إلى الأجرة : لأن الأجرة هي ثمن أيضا . وقد قال زهير بن أبي سلمى في شعره ما يدل على هذا القول وهو قوله :
ولولا عسبه لرددتموه وشر منيحة أير معار
فإذا كان كذلك فقد حكي عن مالك وأبي ثور أنهما جوزا أخذ العوض على ضراب الفحل استدلالا بأن الضرورة تدعو إليه والعادة جارية به .وهذا خطأ ، بل لا يجوز أخذ العوض عليه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وروي بني كلاب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن كراء عسب الفحل ، فقالوا : يا رسول الله إنا نطرق إكراما . فقال : لا بأس به . ولأن المقصود من طرق الفحل إنزال مائه ، وإنزال الماء غير متحقق ، والعلوق منه غير متيقن ، وليس للاستدلال بالضرورة وجه : لأن الضرورة لا تبيح محظورا وارتفاعها لا يحظر مباحا ، على أنه لا ضرورة بهم إلى الكراء : لأن العرف جار بالعارية ، وإنما يتكسب بهذا دناة الناس وأرذالهم . أن قوما من
فصل : فإذا ثبت هذا فقد حكى ابن أبي هريرة اختلاف أصحابنا في معنى هذا النهي على وجهين :
[ ص: 325 ] أحدهما : أن النهي عنه نهي تنزيه : لدناءته ، واتباع الجاهلية في فعله .
والثاني : أنه نهي تحريم ، وهو الصحيح : لأن ذلك الماء مما تحرم المعاوضة عليه ، ولا يصح أخذ البدل عنه ، والله أعلم بالصواب .