الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا أقرضه طعاما بالبصرة ثم رآه ببغداد فطالبه بمثل طعامه ببغداد لم يكن ذلك له ، وقيل : لك المطالبة بمثل طعامك حيث أقرضته بالبصرة ، فإن طالبه ببغداد بقيمة الطعام لزم المستقرض أن يدفع إليه ببغداد قدر قيمة الطعام بالبصرة زائدا كان أو ناقصا ، ولو أن المستقرض سأل المقرض حيث رآه ببغداد أن يأخذ منه الطعام بما لم يلزم المقرض أن يأخذه هناك : لأنه يستحق قبضه بالبصرة ، ولو قال له : خذ مني قيمة الطعام لم يلزمه أخذها : لأن [ ص: 235 ] حقه في غيرها ، ولو غصب رجل طعاما بالبصرة واستهلكه ، ثم رآه مالكه ببغداد فطالبه بطعامه ، فإن كان الغاصب قد استهلك الطعام بالبصرة ، لم يكن لرب الطعام مطالبته بمثل مكيلته ببغداد كالقرض ، وقيل : إما أن تأخذ منه مثل طعامك بالبصرة ، أو تأخذ منه ببغداد قيمة طعامك بالبصرة ، وإن كان الغاصب قد استهلك الطعام ببغداد ، فعليه أن يدفع إلى مالكه مثل طعامه ببغداد : لأن الغاصب يضمن مثل ما غصبه في الموضع الذي قد استهلكه ، فلو قال صاحب الطعام للغاصب حين رآه ببغداد : أريد قيمة الطعام ، لم يلزم الغاصب ذلك : لأن حقه في المثل فلا يصح العدول إلى القيمة إلا بالمراضاة ، فلما قال صاحب الطعام للغاصب : لست أقبض منك طعامي ببغداد وأريد مثله بالبصرة ، كان ذلك له : لأنه مغصوب منه بالبصرة فيصير مالك الطعام إذا غصب منه بالبصرة واستهلك ببغداد مخيرا بين مطالبة الغاصب بمثل طعامه بالبصرة : لأنه موضع غصبه ، ومن مطالبته بمثل طعامه ببغداد : لأنه موضع استهلاكه ، ومن هذا الوجه كان الغصب مخالفا للقرض ، فأما إذا أسلم في طعامه بالبصرة ثم رأى من عليه الطعام ببغداد ، لم يكن له المطالبة بطعامه ببغداد : لأنه غير موضع استحقاقه ، ولا يجوز لهما دفع قيمته : لأنه بيع المسلم فيه قبل قبضه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية