الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولبن الغنم ماعزه وضأنه صنف ولبن البقر عرابها وجواميسها صنف ، ولبن الإبل مهريها وعرابها صنف ، فأما إذا اختلف الصنفان فلا بأس متفاضلا يدا بيد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف قول الشافعي في الألبان هل هي صنف واحد أو أصناف ، على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم ، وبه قال مالك ، إنها صنف واحد : لأن الاسم الخاص يجمعها عند حدوث الربا فيها ، ولا يكون اختلاف أنواعها دليلا على اختلاف أصنافها وأجناسها ، كما أن التمر كله جنس ، وليس اختلاف أنواعه دليلا على اختلاف أجناسه .

                                                                                                                                            والقول الثاني وهو المنصوص عليه في الجديد وأكثر كتبه ، وبه قال أبو حنيفة ، إن الألبان أصناف وأجناس : لأنها فروع لأصول هي أجناس ، فاقتضى أن يكون أجناسا كالأدقة والأجبان لما كانت فروعا لأجناس كانت هي أجناسا .

                                                                                                                                            فإذا قيل بالقول الأول إنها جنس واحد لم يجز بيع لبن الإبل بلبن البقر أو الغنم سواء بسواء .

                                                                                                                                            وإذا قيل بالثاني إنها أجناس مختلفة كان لبن الإبل جنسا ، لكن لا فرق بين البخاتي والعراب . ولبن البقر جنس ، ولا فرق بين العرابية والجواميس ، ولبن الغنم جنس ، ولا فرق بين الضأن والماعز .

                                                                                                                                            فإن كان الجنس واحدا حرم فيه التفاضل ، وإن كان الجنس مختلفا جاز فيه التفاضل .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا منع من بيع اللبن باللبن إذا كان فيهما زبد كما منع من بيع العسل بالعسل إذا [ ص: 121 ] كان فيهما شمع . قيل : بقاء الزبد في اللبن من كمال منافعه ، وهو في أغلب الأحوال مأكول معه ، وليس كذلك الشمع في العسل : لأنه ليس من جملته ، ولا مأكولا معه واحدا . فيستوي سمن الغنم وسمن البقر .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن الألبان أجناس كانت هذه كلها أجناسا .

                                                                                                                                            فيكون سمن الغنم جنسا ، وسمن البقر جنسا ، والتفاضل بينهما يجوز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية