فصل : وهذا مما لا يعرف خلاف فيه : لأن النبي طاف في عمرة كله ماشيا ، وطاف في حجه طواف [ القدوم ماشيا ، وإنما طاف مرة في عمرة ] طواف الإفاضة راكبا ؛ ولأنه يؤذي الناس بزحام مركوبه ، ولا يؤمن تنجيس المسجد بإرسال بوله ، فإن طاف راكبا أجزأه معذورا كان أو غير معذور ، ولا دم عليه بحال ، وقال طواف الماشي أولى وأفضل من طواف الراكب أبو حنيفة : يجزئه الطواف وعليه دم إن كان غير معذور ، ولأن سعيد بن جبير روى أن رسول صلى الله عليه وسلم طاف راكبا من شكوى .
[ ص: 152 ] روى عروة عن زينب بنت أبي سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، قالت : فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ : أم سلمة والطور وكتاب مسطور [ الطور : 1 ] قال : فإذا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا لشكوى وأذن عن رضي الله عنها أن تطوف راكبة لشكوى دل ذلك على حظر لأم سلمة ، ومن فعل في الحج محظورا لزمه الجبران . الطواف راكبا من غير شكوى
وهذا الذي قاله غير صحيح .
والدلالة على أنه طاف بغير شكوى رواية سفيان عن أبي طاوس عن أبيه ، وروي عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يتجزوا بالإفاضة ، وأفاض بنسائه ليلا ، فطاف على راحلته يستلم الركن بمحجنه أحسبه قال : ويقبل طرف المحجن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ركب ليراه الناس ، وفي هذا دلالة على أنه لم يركب من شكوى .
قال الشافعي : ولا أعلمه في تلك الحجة اشتكى ، ولأنه ركن لو أداه ماشيا لم يجبره بدم ، فوجب إذا أداه راكبا أن لا يجبره بدم كالوقوف وغيره ، ولأنه طاف راكبا فوجب أن لا يلزمه لجبرانه دم كالمريض ، فأما ما استدل به فغير دال له ، لأنه يقتضي أن لا يجوز ، وقد أجمعنا على جواز طوافه ، وإنما اختلفنا في وجوب الدم لجبرانه ، وليس في ذلك دليل عليه ، فإذا ثبت أن ذلك مجزئ ، ولا دم فيه فهو مكروه لغير المعذور : لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك مرة واحدة : لأنه أحب أن يشرف للناس ليسألوه وليس لأحد في هذا الموضع مثله . طواف الراكب لغير عذر
فكذا وكرهناه ، فإن كان معذورا بمانع من مرض أو زمانة ، فالأولى أن يطوف محمولا ولا يطوف راكبا ، فإن طاف راكبا كان أيسر حالا من ركوب غير المعذور وركوب الإبل أيسر حالا من ركوب البغال والحمير ، فإن لو طاف محمولا على أكتاف الرجال لغير عذر ، عليه طواف قد نواه عن نفسه ففيه قولان : طاف محمولا وكل واحد منهما محرم
أحدهما : أن يكون الطواف عن الحامل دون المحمول ، لأنه أصل والمحمول تبع .
والقول الثاني : يكون الطواف عن المحمول دون الحامل : لأن الحامل قد صرف عمله إلى معونة المحمول .
وقال أبو حنيفة : يكون الطواف عن الحامل والمحمول جميعا ؟ استدلالا بأنه لو حمله بعرفة أجزأهما عن وقوفهما فكذلك في الطواف يجزئهما عن طوافهما .
[ ص: 153 ] ودليلنا هو أن طواف الحامل والمحمول فعل واحد ، فلم يجز أن يؤدى بالفعل الواحد فرض طوافين ، فوجب استحقاق فعلين وخالف الوقوف بعرفة : لأن الوقوف لبث لا يتضمن فعلا ، وكذلك لو وقف نائما أجزأ ، والطواف فعل مستحق وهو من أحدهما فلم يجز عنهما ، ثم إذا طاف راكبا أو محمولا فإنه يضطبع ، فأما الرمل فعلى قولين :
أحدهما : وهو قوله في القديم لا رمل عليه : لأنه مسنون في الماشي ليستدل به على نشاطه وصحته وهذا معدوم في المحمول والراكب .
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد يرمل به إن كان محمولا ويخبب بيديه إن كان راكبا ؛ لأن كل من كان مسنونا في طواف الماشي كان مسنونا في طواف المحمول والراكب كالاضطباع .