18352 وعن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عبد الله بن مسعود " " . قال : " وينزل الله - عز وجل - في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ، ثم ينادي مناد : أيها الناس ، ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، أن يولي كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، أليس ذلك عدلا من ربكم ؟ " . قالوا : بلى . قال : " فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، ويقولون ويقولون في الدنيا " . قال : " فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون ، فمنهم من ينطلق إلى الشمس ، ومنهم من ينطلق إلى القمر ، والأوثان من الحجارة ، وأشباه ما كانوا يعبدون " . يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة ، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فصل القضاء
قال : " ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزيز ، ويبقى محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته " . قال : " فيتمثل الرب - تبارك وتعالى - فيأتيهم ، فيقول : ما لكم لا تنطلقون كانطلاق الناس ؟ فيقولون : إن لنا لإلها ما رأيناه بعد، فيقول : هل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فيقولون : إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها . قال : فيقول : ما هي ؟ فتقول : يكشف عن ساقه " . قال : " فعند [ ص: 341 ] ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره ، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر ، يريدون السجود فلا يستطيعون ، وقد كانوا يدعون إلى السجود ، وهم سالمون ، ثم يقول : ارفعوا رءوسكم ، فيرفعون رءوسهم ، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم ، يسعى بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ، ومنهم من يعطى نورا مثل النخلة بيده ، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك ، حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرة ويطفأ مرة ، فإذا أضاء قدم قدمه ، وإذا طفئ قام " .
قال : " والرب - تبارك وتعالى - أمامهم حتى يمر في النار ، فيبقى أثره كحد السيف " . قال : " فيقول : مروا ، فيمرون على قدر نورهم ، منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كالسحاب ، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الفرس ، ومنهم من يمر كشد الرحل ، حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه ، يجثو على وجهه ويديه ورجليه ، تخر يد وتعلق يد ، وتخر رجل وتعلق رجل ، وتصيب جوانبه النار ، فلا يزال كذلك حتى يخلص ، فإذا خلص وقف عليها، فقال : الحمد لله فقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها " . قال : " فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة ، فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم ، فيرى ما في الجنة من خلل الباب ، فيقول : رب أدخلني الجنة ، فيقول الله : أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار ؟ ! فيقول : رب اجعل بيني وبينها حجابا لا أسمع حسيسها " . قال : " فيدخل الجنة ، ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك ، كأن ما هو فيه إليه حلم ، فيقول : رب أعطني ذلك المنزل ، فيقول له : لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، وأنى منزل أحسن منه ؟ فيعطى فينزله ، ويرى أمام ذلك منزلا ، كأن ما هو فيه إليه حلم ، قال : رب أعطني ذلك المنزل ، فيقول الله - تبارك وتعالى - له : فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره ، فيقول : لا وعزتك يا رب لا أسألك غيره ، وأنى منزل يكون أحسن منه ؟ قال فيعطى منزلة . قال ويرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر ، كأنما هو إليه حلم ، فيقول : أعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله : فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره ؟ قال : لا وعزتك لا أسأل غيره ، وأي منزل يكون أحسن منه ؟ ! قال : فيعطاه وينزله ، ثم يسكت فيقول الله - جل ذكره - : ما لك لا تسأل ؟ فيقول : رب قد سألتك حتى قد استحييتك ، وأقسمت لك حتى استحييتك ، فيقول الله - جل ذكره - : ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها ، وعشرة أضعافه ؟ فيقول : أتهزأ بي وأنت رب العزة ؟ فيضحك الرب - تبارك وتعالى - من قوله . قال : فرأيت إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك ، فقال له رجل : يا عبد الله بن مسعود أبا عبد الرحمن ، قد سمعتك تحدث هذا الحديث مرارا ، كلما بلغت هذا المكان ضحكت ! قال : إني سمعت رسول [ ص: 342 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث هذا الحديث مرارا ، كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه .
قال : " فيقول الرب - جل ذكره - : لا . ولكني على ذلك قادر ، سل . فيقول : ألحقني بالناس ، فيقول : الحق بالناس ، قال : فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة ، فيخر ساجدا ، فيقال له : ارفع رأسك ما لك ؟ فيقول : رأيت ربي - أو تراءى لي ربي - فيقال له : إنما هو منزل من منازلك .
قال : " ثم يلقى رجلا فيتهيأ للسجود له ، فيقال له : مه . فيقول : رأيت أنك ملك من الملائكة . فيقول : إنما أنا خازن من خزانك ، وعبد من عبيدك ، تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه " .
قال : " فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر " . قال : " وهو من درة مجوفة ، سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها ، تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء ، فيها سبعون بابا ، كل باب يفضي إلى جوهرة خضراء مبطنة ، كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى ، في كل جوهرة سرر ، وأزواج ، ووصائف ، أدناهن حوراء عيناء ، عليها سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء حللها ، كبدها مرآته ، وكبده مرآتها ، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك ; إذا أعرضت عنه إعراضة ازداد في عينها سبعين ضعفا عما كان قبل ذلك ، فيقول لها : والله ، لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا . وتقول له : وأنت والله ازددت في عيني سبعين ضعفا . فيقال له : أشرف . فيشرف ، فيقال له : ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك " .
قال : فقال عمر : ألا تسمع ما يحدثنا يا ابن أم عبد كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا ؟ فكيف أعلاهم ؟ ! قال : يا أمير المؤمنين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، إن الله - جل ذكره - خلق دارا جعل فيها ما شاء من الأزواج ، والثمرات ، والأشربة ، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه ، لا جبريل ولا غيره من الملائكة ، ثم قال كعب : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .
قال : " وخلق دون ذلك جنتين ، وزينهما بما شاء ، وأراهما من شاء من خلقه ، ثم قال : من كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد ، حتى إن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه ، فيستبشرون لريحه ، فيقولون : واها لهذا الريح ، هذا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه " .
قال : ويحك يا كعب ، إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها ، فقال كعب : والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ، ما من ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، إلا خر لركبتيه ، حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول : رب ، نفسي ، نفسي ! حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أن لا تنجو .