10234 وعن قال : ابن عباس المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد - ماء [ ص: 165 ] بين عسفان وأمج - أفطر .
ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، وألف من مزينة وسليم ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، المهاجرون والأنصار لم يتخلف منهم أحد . وأوعب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران ، وقد عميت الأخبار على قريش فلم يأتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ، ولم يدروا ما هو فاعل ، خرج في تلك الليلة ، أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به ؟ .
وقد كان تلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الطريق ، وقد كان العباس بن عبد المطلب ، أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بين المدينة ومكة ، والتمسا الدخول عليه فكلمته فيهما ، فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك ، وابن عمتك وصهرك ، قال : " لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي أم سلمة بمكة ، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال " .
فلما خرج إليهما بذلك ومع أبي سفيان بني له ، فقال : والله لتأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن بالأرض حتى نموت عطشا وجوعا ، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لهما ، ثم أذن لهما فدخلا فأسلما .
فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران ، قال العباس : واصباح قريش مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش [ إلى ] آخر الدهر . والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال : فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء ، فخرجت عليها حتى جئت الأراك ، فقلت لعلي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستأمنوه قبل أن يدخلها [ عليهم ] عنوة .
قال : فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له ، إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كاليوم قط نيرانا ولا عسكرا . قال : يقول بديل : هذه والله نيران خزاعة حشتها الحرب . قال : يقول أبو سفيان : خزاعة والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها . قال : فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة [ ص: 166 ] فعرف صوتي ، فقال : أبو الفضل ؟ فقلت : نعم . فقال : ما لك ؟ فقلت : ويحك يا فداك أبي وأمي أبا سفيان ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس واصباح قريش والله ! .
قال : فما الحيلة فداك أبي وأمي ؟ قال : قلت : لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأمنه لك .
قال : فركب خلفي ، ورجع صاحباه ، وحركت به فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته .
حتى مررت بنار ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي ، فلما رأى عمر بن الخطاب أبا سفيان على عجز البغلة قال : أبو سفيان عدو الله ؟ ! الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء ، فاقتحمت عن البغلة ، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه ، فقلت : يا رسول الله ، إني أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ فأخذت برأسه ] فقلت : لا والله لا يناجيه الليلة رجل دوني . قال : فلما أكثر عمر في شأنه قلت : مهلا يا عمر ، أما والله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ، فقال : مهلا يا عباس ، والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام أبي لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب به إلى رحلك يا عباس ، فإذا أصبحت فأتني به " . فذهبت به إلى رحلي فبات عندي فلما أصبح غدوت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله ؟ " . قال : بأبي أنت وأمي ، ما أكرمك وأحلمك وأوصلك [ والله ] ، لقد ظننت أن لو كان مع الله غير لقد أغنى عني شيئا .
قال : " ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ " . قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، هذه والله كان في النفس منها شيء حتى الآن .
العباس : ويحك يا أبا سفيان ، أسلم واشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك ، قال : فشهد شهادة الحق وأسلم . قال
قلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان [ رجل ] يحب هذا الفخر ، فاجعل له شيئا ، قال : " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل [ ص: 167 ] المسجد فهو آمن " .
فلما ذهب لينصرف ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عباس ، احبسه بمضيق الوادي عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها " . قال : فخرجت به حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحبسه .
قال : ومرت به القبائل على راياتها فكلما مرت قبيلة قال : من هؤلاء يا عباس ؟ فيقول : بني سليم ، فيقول : ما لي ولسليم . قال : ثم تمر القبيلة فيقول : من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة . فيقول : ما لي ولمزينة . حتى تعدت القبائل - يعني جاوزت - لا تمر قبيلة إلا قال : من هؤلاء ؟ فأقول بنو فلان فيقول : ما لي ولبني فلان .
حتى مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخضراء [ كتيبة ] فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم سوى الحدق ، قال : سبحان الله ! من هؤلاء يا عباس ؟ قلت : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ، والله يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما . قلت : يا أبا سفيان إنها النبوة . قال : فنعم إذا . قلت : النجاء إلى قومك .
قال : فخرج حتى [ إذا ] جاءهم صرخ بأعلى صوته : قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت إليه امرأته يا [ معشر ] هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت : اقتلوا الدسم الأحمس ، فبئس طليعة قوم ، قال : ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاء بما لا قبل لكم به ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا : ويحك وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن . فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد . رواه ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعمل على ، ورجاله رجال الصحيح . الطبراني