فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليهم ، فلما ودع مع من ودع بكى ، فقيل له : ما يبكيك يا عبد الله بن رواحة ؟ فقال : والله ما بي حب الدنيا وصبابة ، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار : ( ابن رواحة وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ ! ؟ .
فقال لهم المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ، فقال : عبد الله بن رواحة
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فزع تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
أرشده الله من غاز وقد رشدا
ثم خرج القوم وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشيعهم حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال : خلف السلام على امرئ ودعته في النخل غير مودع وكليل ثم مضوا حتى نزلوا عبد الله بن رواحة معان من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل في مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وقد اجتمعت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهرام وبلي في مائة ألف ، عليهم رجل يلي أخذ رايتهم يقال له : مالك بن زانة .
فلما بلغ ذلك المسلمين قاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له .
فشجع الناس وقال : يا قوم ، والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين : إما ظهور ، وإما شهادة . عبد الله بن رواحة
قال في مقامهم ذلك ، قال عبد الله بن رواحة كما حدثني ابن إسحاق : أنه حدث عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : كنت يتيما زيد بن أرقم في حجره ، فخرج في سفرته تلك مردفي على حقيبة راحلته ، ووالله إنا لنسبر ليلة إذ سمعته يتمثل ببيته هذا : إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء فلما سمعته منه بكيت ، فخفقني بالدرة وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة ، وترجع من شعبتي الرحل . لعبد الله بن رواحة
ومضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها : مشارق ، ثم دنا المسلمون ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة ، فالتقى [ ص: 159 ] الناس عندها .
وتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له : قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له : عبادة بن مالك ، ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شاط في رماح القوم ، ثم أخذها زيد بن حارثة جعفر فقاتل بها حتى إذا ألجمه القتال ، اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، فقاتل القوم حتى قتل .
وكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام . رواه ، ورجاله ثقات إلى الطبراني عروة .