[ الفرع السادس ] ( و ) الفرع السادس ، وأخر هو والذي بعده ; لأنهما من الزيادات ( ما أتى عن صاحب ) من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موقوفا عليه ، لكنه مما لا مجال للاجتهاد فيه .
( بحيث لا يقال رأيا ) أي : من قبل الرأي ( حكمه الرفع ) تحسينا للظن بالصحابي ( على ما قال ) الإمام في المحصول ، نحو : فخر الدين الرازي من أتى ساحرا أو عرافا ، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - . المروي عن - رضي الله عنه - ولم ينفرد بذلك ( ابن مسعود فالحاكم الرفع لهذا ) أيضا ( أثبتا ) حيث ترجم عليه في " علومه " معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأدخل معه في الترجمة : " كنا نفعل " ، و " كان يقال " ونحو ذلك مما مضى . بل حكى إجماعهم على أن قول ابن عبد البر - وقد رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان - : [ ص: 162 ] أما هذا ، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - أنه مسند . أبي هريرة
وأدخل في كتابه ( التقصي ) الموضوع لما في الموطأ من المرفوع ، عدة أحاديث ذكرها مالك في الموطأ موقوفة ، منها حديث سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف .
وصرح في التمهيد بأنه لا يقال من جهة الرأي . وقال : قد يحكي الصحابي قولا يوقفه على نفسه ، فيخرجه أهل الحديث في المسند ; لامتناع أن يكون الصحابي قاله إلا بتوقيف ; كحديث أبو عمرو الداني عن أبي صالح السمان أنه قال : أبي هريرة نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، فمثل هذا لا يقال بالرأي ، فيكون من جملة المسند .
وقال ابن العربي في " القبس " : إذا قال الصحابي قولا لا يقتضيه القياس ، فإنه محمول على المسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومذهب مالك وأبي حنيفة أنه كالمسند . انتهى .
وهو الظاهر من احتجاج رحمه الله في الجديد بقول الشافعي عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين . حيث أعطاه حكم المرفوع ; لكونه مما لا مجال للرأي فيه ، و إلا فقد نص على أن قول الصحابي ليس بحجة .
[ ص: 163 ] ومن أمثلة ذلك أيضا قول : أبي هريرة ومن لم يجب الدعوة ، فقد عصى الله ورسوله وقول : عمار بن ياسر من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
لكن قد جوز شيخنا في ذلك وما يشبهه احتمال إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد ، بل يمكن أن يقال ذلك أيضا في الحديث الأول ; أما الساحر : فلقوله تعالى : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله [ البقرة : 102 ] .
وأما العراف ، وهو المنجم : فلقوله تعالى : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [ النمل : 65 ] .
قال شيخنا : ( لكن الأول - يعني الحكم لها بالرفع - أظهر ) . انتهى .
على أن حديث - وإن جاء من أوجه عنه بصورة الموقوف - فقد جاء من بعضها بالتصريح بالرفع ، ومن الأدلة للأظهر أن ابن مسعود - رضي الله عنه - حدث أبا هريرة بحديث : " فقدت أمة من كعب الأحبار بني إسرائيل ، لا يدرى ما فعلت " ، فقال له كعب : ( أأنت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله ؟ ) فقال له أبو هريرة : نعم ، وتكرر ذلك مرارا ، فقال له أبو هريرة : أفأقرأ التوراة ؟ ! أخرجه في : " الجن " من بدء الخلق من صحيحه . البخاري
قال شيخنا : فيه أن لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب ، وأن الصحابي الذي يكون كذلك إذا أخبر بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه ، يكون للحديث حكم الرفع . انتهى . أبا هريرة
وهذا يقتضي تقييد الحكم بالرفع ; لصدوره عمن لم يأخذ عن أهل الكتاب ، [ ص: 164 ] وقد صرح بذلك ; فقال في مسألة تفسير الصحابي الماضية ما نصه : إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا كان الصحابي المفسر ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات ; وغيره من مسلمة أهل الكتاب . كعبد الله بن سلام
; فإنه كان حصل له في وقعة وكعبد الله بن عمرو بن العاص اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب ; فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة ، حتى كان بعض أصحابه ربما قال له : حدثنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تحدثنا عن الصحيفة .
فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور النقلية الرفع ; لقوة الاحتمال ، ولم يتعرض لتجويزه السابق ; لكون الأظهر - كما قال - خلافه .
وسبقه شيخه الشارح لهذا التقييد ; فإنه بعد أن نقل أن كثيرا ما يشنع في المحلى على القائلين بالرفع ، يعني في أصل المسألة ، قال ما ملخصه : ولإنكاره وجه ، فإنه - وإن كان مما لا مجال للرأي فيه - يحتمل أن يكون ذلك الصحابي سمعه من أهل الكتاب ; ابن حزم حين سمع منه العبادلة وغيرهم من الصحابة ، مع قوله - صلى الله عليه وسلم - : ككعب الأحبار حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج .
قلت : وفي ذلك نظر ، فإنه يبعد أن الصحابي المتصف بالأخذ عن أهل الكتاب يسوغ حكاية شيء من الأحكام الشرعية التي لا مجال للرأي فيها مستندا لذلك ، من غير عزو مع [ آية ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب ) [ العنكبوت : 51 ] التي جنح إلى تبيين قوله - صلى الله عليه وسلم - : البخاري ليس منا من لم يتغن بالقرآن بها و ] علمه بما وقع فيه من التبديل والتحريف ; بحيث سمى صحيفته النبوية الصادقة ، احترازا عن [ ص: 165 ] الصحيفة اليرموكية . ابن عمرو بن العاص
وقال - حين سأل كعب الأحبار : كيف تجد قومك لك ؟ قال : مكرمين - ما نصه : ما صدقتني التوراة ; لأن فيها : إذا ما كان رجل حكيم في قوم إلا بغوا عليه وحسدوه . أبا مسلم الخولاني
وكونه في مقام تبيين الشريعة المحمدية كما قيل به في " أمرنا ونهينا وكنا نفعل " ونحو ذلك ، فحاشاهم من ذلك ، خصوصا وقد منع عمر - رضي الله عنه - كعبا من الحديث بذلك ، قائلا له : لتتركنه ، أو لألحقنك بأرض القردة .
وأصرح منه منع له ولو وافق كتابنا ، وقال : إنه لا حاجة بنا إلى ذلك ، وكذا نهى عن مثله ابن عباس وغيره من الصحابة ، بل امتنعت ابن مسعود عائشة من قبول هدية رجل ، معللة المنع بكونه ينعت الكتب الأول .
[ قال : قلت أبو بكر بن عياش : ما لهم ينفون تفسير للأعمش مجاهد ؟ قال : كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب ] ولا ينافيه : حدثوا عن بني إسرائيل ; فهو خاص بما وقع فيهم من الحوادث والأخبار المحكية عنهم ; لما في ذلك من العبرة والعظة ، بدليل قوله [ ص: 166 ] تلوه في رواية : فإنه كانت فيهم الأعاجيب .
وما أحسن قول بعض أئمتنا : هذا دال على سماعه للفرجة لا للحجة ، كما بسطت ذلك كله واضحا في كتابي " الأصل الأصيل في الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل " .
إذ علم هذا ، فقد ألحق ابن العربي بالصحابة في ذلك ما يجيء عن التابعين أيضا ، مما لا مجال للاجتهاد فيه ; فنص على أنه يكون في حكم المرفوع ، وادعى أنه مذهب مالك ، قال : ولهذا أدخل عن : سعيد بن المسيب صلاة الملائكة خلف المصلي . انتهى .
وقد يكون اختص بذلك عن التابعين ، كما اختص دونهم بالحكم في قوله : " من السنة وأمرنا " ، والاحتجاج بمراسيله كما تقرر في أماكنه ، ولكن الظاهر أن مذهب ابن المسيب مالك هنا التعميم ، وبهذا الحكم أجيب من اعترض في إدخال المقطوع والموقوف في علوم الحديث ، كما أشرت إليه في المقطوع .