ومما ينبه عليه أمور ; أحدها : ; فمنهم من يكتب أول المتقدم كتابة : يؤخر . وأول المتأخر : يقدم . وآخره ( إلى ) كل ذلك بأصل الكتاب إن اتسع المحل ، أو بالهامش ، ومنهم من يرمز لذلك بصورة ( ميم ) ، وهذا حسن بأن لم يكن المحل قابلا لتوهم أن الميم رقم لكتاب مسلم ، ثم إن محله في أكثر من كلمة لكون شيخنا كان يرى في الكلمة الواحدة الضرب عليها وكتابتها في محلها . إذا وقع في الكتاب تقديم وتأخير
ثانيها : إذا أصلح شيئا نشره حتى يجف لئلا يطبقه فينطمس فيفسد المصلح وما [ ص: 103 ] يقابله ، فإن أحب الإسراع تربه بنحاتة الساج ، ويتقي استعمال الرمل ، إلا أن يزيل أثره بعد جفافه ، فقد كان بعض الشيوخ يقول : إنه سبب للأرضة . وكذا يتقي التراب ، كما صرح به الخطيب في ( الجامع ) .
وساق من طريق عبد الوهاب الحجبي قال : كنت في مجلس بعض المحدثين ، بجانبي ، فكتبت صفحا ثم ذهبت لأتربه فقال لي : لا تفعل ، فإن الأرضة تسرع إليه ، قال : فقلت له : الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وابن معين ) . قال : ذاك إسناد لا يسوى فلسا . ونحوه قول تربوا الكتاب فإن التراب مبارك ، وهو أنجح للحاجة : لا يحفظ هذا الحديث بإسناد جيد . بل قال العقيلي : إنه موضوع . ابن حبان
قلت : وفيه نظر ، فهو عند الترمذي في الاستئذان من ( جامعه ) من طريق حمزة النصيبي ، عن أبي الزبير ، عن جابر رفعه : ( ) . إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه ، فإنه أنجح للحاجة
وقال عقبه : إنه منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه . كذا قال ، وقد رواه في الأدب من ( سننه ) من طريق ابن ماجه ، عن بقية بن الوليد أبي أحمد بن علي الكلاعي ، عن أبي الزبير ، لكن بلفظ : ( ) بل في الباب عن تربوا صحفكم أنجح لها ; لأن التراب مبارك ابن عباس ، وكلاهما عند وأبي هريرة في ( كامله ) ، لفظ أولهما : ( ابن عدي ) . تربوا الكتاب واسحوه - أي : اقشروه من أسفله - فإنه أنجح للحاجة
وعن هشام بن زياد أبي المقدام ، عن الحجاج [ ص: 104 ] بن يزيد ، عن أبيه رفعه : ( تربوا الكتاب فإنه أنجح له ) إلى غيرها من الطرق الواهية ، ويمكن - إن ثبت - حمله على الرسائل التي لا تقصد غالبا بالإبقاء .
وقد قيل : إن مما يدفع الأرضة كتابة : ( فارق مارق احبس حبسا أو كبلح ) . فالله تعالى أعلم .
ثالثها : إذا أصلح شيئا من زيادة أو حذف أو تحريف ونحوه في كتاب قديم به أسمعة مؤرخة ، حسن ، كما رأيت شيخنا ، فعله أن ينبه معه على تاريخ وقت إصلاحه ليكون من سمع منه أو قرأ قبل مقتصرا عليه ، وكذا من نقل منه على بصيرة من ذلك ، بل كان في كثير من أوقاته يميز ما يتجدد له في تصانيفه بالحمرة لتيسر إلحاقه لمن كتبه قبل .
رابعها : ونحوهما مما يستدل به بين المتقدمين على صحة الكتاب ، فروى الضرب والإلحاق الخطيب في ( جامعه ) عن أنه قال : إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة . الشافعي
وعن قال : إذا رأيت كتاب صاحب الحديث مشججا - يعني : كثير التغيير - فأقرب به من الصحة . وأنشد أبي نعيم الفضل بن دكين ابن خلاد يصف دفترا : لمحمد بن عبد الملك الزيات
وأرى رشوما في كتابك لم تدع شكا لمرتاب ولا لمفكر نقط وأشكال تلوح كأنها
ندب الخدوش تلوح بين الأسطر تنبيك عن رفع الكلام وخفضه
والنصب فيه لحاله والمصدر [ ص: 105 ] وتريك ما تعيا به فتعيده
كقرينة ومقدما كمؤخر