الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الكشط والمحو والضرب .


( 595 ) وما يزيد في الكتاب يبعد كشطا ومحوا وبضرب أجود      ( 596 ) وصله بالحروف خطا أو لا
مع عطفه أو كتب لا ثم إلى      ( 597 ) أو نصف دارة وإلا صفرا
في كل جانب وعلم سطرا      ( 598 ) سطرا إذا ما كثرت سطوره
أو لا وإن حرف أتى تكريره      ( 599 ) فأبق ما أول سطر ثم ما
آخر سطر ثم ما تقدما      ( 600 ) أو استجد قولان ما لم يضف
أو يوصف أو نحوهما فألف

( الكشط والمحو والضرب ) وغيرها مما يشار به لإبطال الزائد ونحوه ، ومناسبته لإلحاق الساقط ظاهرة .

( وما يزيد في الكتاب ) أي : يكتب على غير وجهه ، ( يبعد ) عنه بأحد أمور مما سلكه الأئمة :

[ معنى الكشط والمحو ] : إما كشطا ; أي بالكشط - وهو بالكاف والقاف - سلخ القرطاس بالسكين ونحوها ، تقول : كشطت البعير كشطا ، نزعت جلده ، وكشطت الجل عن ظهر الفرس ، والغطاء عن الشيء ، إذا كشفت عنه . وقد يعبر عن الكشط [ ص: 97 ] بالبشر تارة ، وبالحك أخرى ، إشارة إلى الرفق بالقرطاس .

[ طرق المحو ] : ( و ) إما ( محوا ) ; أي : بالمحو ، وهو الإزالة بدون سلخ حيث أمكن ، بأن تكون الكتابة في لوح أو رق أو ورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب ، وأمن نفوذ الحبر بحيث يسود القرطاس .

قال ابن الصلاح : ويتنوع طرق المحو . يعني : فتارة يكون بالإصبع أو بخرقة . قال : ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون أحد الأئمة من فقهاء المالكية أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه . قال : وإلى هذا يومئ ما روينا . يعني مما أسنده عياض عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول : من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد . يعني : لدلالة ذلك على اشتغاله بالتحصيل .

قال ابن العربي : وهكذا أخبرني أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن ثيابه كأنما أمطرت مداد . ولا يأنف من ذلك ، فقد حكى الماوردي في ( الأدب ) أن عبيد الله بن سليمان رأى على ثوبه أثر صفرة فأخذ من مداد الدواة وطلاه به ، ثم قال : المداد بنا أحسن من الزعفران . وأنشد :


إنما الزعفران عطر العذارى     ومداد الدوي عطر الرجال

ونحوه أن بعض الفضلاء كان يأكل طعاما فوقع منه على ثوبه فكساه حبرا ، وقال : هذا أثر علم ، وذلك أثر شره . وللأديب أبي الحسن الفنجكردي : [ ص: 98 ]

مداد الفقيه على ثوبه     أحب إلينا من الغاليه
ومن طلب الفقه ثم الحديث     فإن له همة عاليه
ولو تشتري الناس هذي العلوم     بأرواحهم لم تكن غاليه
رواة الأحاديث في عصرنا     نجوم وفي العصر الخاليه

وعن ابن المبارك قال : إذا كان يوم القيامة وزن حبر العلماء ودم الشهداء ، فيرجح حبر العلماء على دم الشهداء .

بل يروى في حديث ضعيف عند النميري وغيره عن أنس رفعه : ( يحشر الله أصحاب الحديث وأهل العلم يوم القيامة وحبرهم خلوق يفوح ) الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية