الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ حكم فصل مضاف أسماء الله ورسوله وصحبه ] :

( وكرهوا ) ; أي : أهل الحديث في الكتابة ( فصل مضاف اسم الله ) كعبد ( منه ) أي : من الاسم الكريم ، فلا يكتبون التعبيد في آخر سطر ، والله أو الرحمن أو الرحيم مع ما بعده ، وهو ابن فلان مثلا ( بـ ) أول ( سطر ) آخر ، احترازا عن قباحة الصورة وإن كان غير مقصود .

وهذه الكراهة للتنزيه ، وإن روى الخطيب في " جامعه " من طريق أبي عبد الله بن بطة العكبري - بفتح الموحدة من أبيه ونسبته - أنه قال : وفي الكتاب - يعني - من لا يتجنبه أو هو غلط - أي : خطأ قبيح - فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه .

وقال الخطيب : إن ما قاله صحيح ، فيجب اجتنابه لحمل شيخنا له على التأكيد للمنع ، ولا شك في تأكده لا سيما إذا كان التعبيد آخر [ ص: 65 ] الصفحة اليسرى ، والاسم الكريم وما بعده أول الصفحة اليمنى ، فإن الناظر إذا رآه كذلك ربما لم يقلب الورقة ويبتدئ بقراءته كذلك بدون تأمل ، وكذا إذا كان عزمه عدم حبك الكتاب ، وكان ابتدأ ورقه لعدم الأمن من تقليب أوراقه وتفرقها ، ولكن لا يرتقي في كل هذا إلى الوجوب ، إلا إن اقترن بقصد فاسد ، كإيقاع لغيره في المحذور ، ويتأيد ما جنح إليه شيخنا بتصريح ابن دقيق العيد في " الاقتراح " بأن ذلك أدب ، بل ونصره العز بن جماعة .

وكرسول من رسول الله فلا يكتب رسول في آخر سطر ، واسم الله مع الصلاة في أول آخر ، فقد كرهه الخطيب أيضا وقال : إنه ينبغي التحفظ منه . وتبعه ابن الصلاح فجزم بالكراهة فيه وفيما أشبهه .

ويلتحق به - كما قال المصنف - أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : ساب النبي صلى الله عليه وسلم كافر . وكذا أسماء الصحابة رضي الله عنهم كقوله : قاتل ابن صفية في النار يعني بابن صفية . الزبير بن العوام ، فلا يكتب " ساب " أو " قاتل " في آخر سطر وما بعده في أول آخر ، بل ولا اختصاص للكراهة بالفصل بين المضاف والمضاف إليه ، فلو [ ص: 66 ] وجد المحذور في غير ذلك مما يستشنع ، كقوله في شارب الخمر الذي أتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثمل فقال عمر : " أخزاه الله ، ما أكثر ما يؤتى به " وكقوله : " الله ربي لا أشرك به شيئا " . بأن كتب " فقال " أو " لا " في آخر سطر ، وما بعده في أول آخر ; كانت الكراهة أيضا ، ومحلها في ذلك كله ( إن يناف ) بالفصل ( ما تلاه ) من اللفظ كالأمثلة المذكورة .

فأما إذا لم يكن في شيء منه بعد اسم الله عز وجل أو اسم نبيه صلى الله عليه وسلم أو اسم الصحابي رضي الله عنه ما ينافيه ، بأن يكون الاسم آخر الكتاب أو آخر الحديث ، ونحو ذلك ، أو يكون بعده شيء ملائم له غير مناف ، فلا بأس بالفصل ، نحو قوله في آخر البخاري ( سبحان الله العظيم ) فإنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه كان أول السطر : الله العظيم . ولا منافاة في ذلك ، ومع هذا فجمعهما في سطر واحد أولى .

بل صرح بعض المتأخرين بالكراهة في فصل مثل أحد عشر لكونهما بمنزلة اسم واحد ; أخذا من قول النحاس في " صناعة الكتاب " : وكرهوا جعل بعض الكلمة في سطر وبعضها في أول سطر ; فتكون مفصولة .

التالي السابق


الخدمات العلمية