الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

484 - والثامن الإذن بما سيحمله الشيخ والصحيح أنا نبطله      485 - وبعض عصريي عياض بذله
وابن مغيث لم يجب من سأله      486 - وإن يقل : أجزته ما صح له
أو سيصح فصحيح عمله      487 - الدارقطني وسواه أو حذف
يصح جاز الكل حيث ما عرف

( و ) النوع ( الثامن ) من أنواع الإجازة : ( الإذن بما ) أي : الإجازة بمعدوم ( سيحمله الشيخ ) المجيز من المروي مما لم يتحمله قبل ذلك بنوع من أنواع [ ص: 268 ] التحمل ليرويه المجاز له بعد أن يتحمله المجيز ( والصحيح ) بل الصواب كما قاله النووي وسبقه إليه عياض كما سيأتي قريبا ( أنا نبطله ) ، ولم يفصلوا بين ما يكون المعدوم فيه منعطفا على موجود كأن يقول : أجزت لك ما رويته وما سأرويه ، أو لا ، كما قيل به في النوع السادس .

( وبعض عصريي عياض ) [ قد ( بذله ) بالمعجمة ; أي : أعطى من سأله الإجازة كذلك ما سأله ] كما حكاه في إلماعه ; حيث قال : وهذا النوع لم أر من تكلم فيه من المشايخ ، قال : ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ، ووجهه بعضهم بأن شرط الرواية أكثر ما يعتبر عند الأداء لا عند التحمل ، وحينئذ فسواء تحمله بعد الإجازة أو قبلها إذا ثبت حين الأداء أنه تحمله .

( و ) لكن ( ابن مغيث ) بضم الميم وكسر المعجمة وآخره مثلثة ، وهو أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد القرطبي قاضي الجماعة ، وصاحب الصلاة والخطبة بها ، ويعرف بابن الصفار ، أحد العلماء بالحديث والفقه ، والوافر الحظ من اللغة العربية ، كتب إليه من المشرق الدارقطني وغيره ، ومن تصانيفه ( التسلي عن الدنيا بتأميل خير الآخرة ) ، جاءه إنسان - حسبما حكاه تلميذه أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله التميمي الطبني القرطبي في فهرسته - فسأله الإجازة له بجميع ما رواه إلى تأريخها ، وما يرويه بعد ، فامتنع من ذلك ، و ( لم يجب ) فيه ( من سأله ) ، فغضب السائل ، فنظر يونس إلى الطبني كأنه تعجب من ذلك ، قال الطبني : فقلت له ; أي : للسائل : يا هذا ، يعطيك ما لم يأخذ ، [ ص: 269 ] هذا محال ، فقال يونس : هذا جوابي . قال عياض بعد سياقه : وهذا هو الصحيح ; فإن هذا يخبر بما لا خبر عنده منه ، ويأذن له بالتحديث بما لم يحدث به بعد ، ويبيح له ما لا يعلم هل يصح له الإذن فيه ، فمنعه الصواب . قال غيره : والفرق بينه وبين ما رواه أن ذاك داخل في دائرة حصر العلم بأصله ، بخلاف ما لم يروه ; فإنه لم ينحصر .

لكن قال ابن الصلاح : إنه ينبغي بناؤه ، يعني صحة وعدما ، على أن الإجازة هل هي في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو هي إذن ؟ فعلى الأول لم يصح ; إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه ، وعلى الثاني ينبني على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما لم يملكه الآذن بعد ، كأن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه ، وكذا في عتقه إذا اشتراه ، وطلاق زوجته التي يريد أن يتزوجها ، كما زادهما ابن أبي الدم ، وكما إذا أذن المالك لعامله في بيع ما سيملكه من العروض ، أو أوصى بمنافع عين يملكها قبل وجودها ، وهو الأصح في هاتين ، ووجه في ما قبلهما ، وكذا لو وكله في بيع كذا ، وأن يشتري بثمنه كذا على أشهر القولين ، أو في ثمر نخله قبل إثمارها كما حكاه ابن الصلاح عن الأصحاب ، [ ص: 270 ] أو في استيفاء ما وجب من حقوقه وما سيجب ، أو في بيع ما ملكه وما سيملكه على أحد الاحتمالين للرافعي في الأخيرة ، وقال البلقيني : إنه الذي يظهر ; لما نص عليه الشافعي في وصيته ، وهو المحكي في البيان عن الشيخ أبي حامد ، ونقله ابن الصلاح عنه في فتاواه ، بل أفتى بأنه إذا وكله في المطالبة بحقوقه دخل فيه ما يتجدد منها .

وبالنظر لهذه الفروع صحة وإبطالا حصل التردد في مسألتنا ، على أن المرجح في جلها إنما يناسبه القول بصحة الإجازة في المنعطف فقط ، وصنيع ابن الصلاح مشعر بفرضها في غيره ، ولذا ساغ تنظيره بالتوكيل في بيع العبد الذي سيملكه مجردا ، قال بعضهم : وإذا جاز التوكيل فيما لم يملكه بعد فالإجازة أولى ، بدليل صحة إجازة الطفل دون توكيله . وعلى المعتمد ، فيتعين كما قال ابن الصلاح تبعا لغيره ، على من يريد أن يروي عن الشيخ بالإجازة ، أن يعلم أن ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته له - انتهى .

ويلتحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإجازة من نظم أو تأليف ، وعلى هذا يحسن للمصنف ومن أشبهه توريخ صدور ذلك منه .

( و ) إما ( إن يقل ) الشيخ : ( أجزته ما صح له ) أي : حال الإجازة ( أو سيصح ) أي : ويصح عنده بعدها أنني أرويه ( ف ) ذاك ( صحيح ) سواء كان المجيز [ ص: 271 ] عرف أنه يرويه حين الإجازة أم لا ; لعدم اشتراط ذلك ، وقد ( عمله ) الحافظ ( الدارقطني وسواه ) من الحفاظ ، وله أن يروي عنه ما صح عنده حين الإجازة وبعدها أنه تحمله قبلها ، سواء جمع الشيخ في قوله بين اللفظين ( أو ) اقتصر على قوله : صح ، و ( حذف ) قوله : ( يصح ) [ يعني : بعدها ] ( جاز الكل حيث ما عرف الطالب ) حالة الأداء أنه مما تحمله شيخه قبل صدور الإجازة . والفرق بين هذه والتي قبلها أنه هناك لم يرو بعد ، بخلافه هنا فقد روى ، ولكن تارة يكون عالما بما رواه ، وهذا لا كلام فيه ، وتارة لا يكون عالما ، فيحيل الأمر فيه على ثبوته عند المجاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية