[ ص: 43 ] [ في التفضيل ابن الصلاح ] ولكون تردد لم يقف على كلام ابن الصلاح ، تردد في جهة التفضيل . ابن حزم
وقال ما معناه : إن كان المراد أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح ، يعني بخلاف ، فإنه أودع تراجم أبوابه كثيرا من موقوفات الصحابة والتابعين وغير ذلك ، فهذا لا بأس به ، لكن لا يلزم منه المدعى ، أو أن الأرجحية من حيثية الصحة فمردود على قائله . البخاري
وأما المنقول عن أبي علي فلفظه كما رويناه من طريق ابن منده المذكور عنه : ( مسلم ) . وهو كما أشار إليه شيخنا محتمل للمدعى ، أو لنفي الأصحية خاصة دون المساواة . ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب
فقد قال في شرح ديوان ابن القطاع : ذهب من لا يعرف معاني الكلام إلى أن مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : المتنبي أبي ذر مقتضاه أن يكون ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبو ذر أصدق العالم أجمع .
قال : وليس المعنى كذلك ، وإنما نفى أن يكون أحد أعلى رتبة في الصدق منه ، ولم ينف أن يكون في الناس مثله في الصدق ، ولو أراد ما ذهبوا إليه ، لقال : أبو ذر أصدق من كل من أقلت .
والحاصل أن قول القائل : فلان أعلم أهل البلد بفن كذا ، ليس كقوله : ما في البلد أعلم من فلان بفن كذا ; لأنه في الأول أثبت له الأعلمية ، وفي الثاني نفى أن يكون في البلد أحد أعلم منه ، فيجوز أن يكون [ ص: 44 ] فيها من يساويه فيه .
قال : وإذا كان لفظ أبي علي محتملا لكل من الأمرين ، لم يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية ، يعني كما فعل جماعة منهم النووي في شرح مسلم وغيره ; حيث قال : وقال أبو علي : كتاب مسلم أصح . وقد سبقه كل من شيخيه : المؤلف ، والعز ابن جماعة إلى الإرشاد لذلك .
بل لعدم صراحة مثل ذلك ، قال : ما تروي عن أثبت من الإمام أحمد ، أما مثله فعسى . هشام الدستوائي
ويتأيد كل هذا بحكاية التساوي ، قولا ثالثا في المسألة ، بل فيها رابع ، وهو الوقف ; إذا علم هذا ، فدليل الجمهور إجمالي وتفصيلي .
[ دليل قول الجمهور ] أما الإجمالي : فاتفاقهم على أن كان أعلم بالفن من البخاري مسلم ، وأنه تلميذه وخريجه ، حتى قال : لولا الدارقطني ما راح البخاري مسلم ولا جاء .
[ ص: 45 ] ولكن قد يقال : لا يلزم من ذلك أرجحية المصنف ، كما أنه لا يستلزم المرجوحية ، ويجاب بأنه الأصل ، ومن ثم اتجه تعلق الأولية بالمقصود .
وقول النووي : إن كتاب أكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة . البخاري
وأما التفصيلي : فالإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الرواة ، وكتاب أعدل رواة وأشد اتصالا . وبيانه أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون البخاري مسلم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا ، المتكلم فيه بالضعف منهم نحو من ثمانين .
والذين انفرد مسلم بإخراج حديثهم دون ستمائة وعشرون رجلا ، المتكلم فيه منهم مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري ، ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه ، ولو كان ذلك غير شديد . البخاري
وأيضا فالذين انفرد بهم ممن تكلم فيه ، لم يكثر من تخريج أحاديثهم بخلاف البخاري مسلم ، والذين انفرد بهم ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وخبرهم وخبر حديثهم بخلاف البخاري مسلم ، فأكثر من ينفرد به ممن تكلم فيه من المتقدمين .
ولا شك أن المرء أعرف بحديث شيوخه من حديث غيرهم ممن تقدم ، وأكثر هؤلاء الذين تكلم فيهم من المتقدمين يخرج أحاديثهم غالبا في الاستشهادات ونحوها ، بخلاف البخاري مسلم .
وأما ما يتعلق بالاتصال : فمسلم كان مذهبه - بل نقل فيه الإجماع في أول صحيحه - أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال ، إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه ، وإن لم يثبت اجتماعهما ، لا يحمله على الاتصال ، حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة . والبخاري
[ ص: 46 ] ولذا قال النووي : وهذا المذهب يرجح كتاب ، قال : وإن كنا لا نحكم على البخاري مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب ، لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه . انتهى .
[ وذلك في الغالب وما عداه فجلالته تنبو عن مشي ما لم يتصل عليه ] .
وما ذكره بعضهم من المرجحات لكتاب مسلم ، سوى ما سلف عن - فهو مع كونه - كما مر - غير مستلزم للأصحية ، معارض بوجود مثله ، أو أحسن منه من نمطه في ابن حزم مما لا نطيل بإيضاحه هنا . البخاري
وقد قال الحافظ الفقيه الإمام النظار : ( ( إنه - أي : أبو بكر الإسماعيلي مسلما - رام ما رام ، إلا أنه لم يضايق نفسه مضايقته . البخاري
وروى عن جماعة لم يتعرض للرواية عنهم قال : وكل قصد الخير وما هو الصواب عنده ، غير أن أحدا منهم لم يبلغ من التشديد مبلغ البخاري أبي عبد الله ، ولا تسبب إلى استنباطه المعاني واستخراج لطائف فقه الحديث وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة بالحديث المروي فيه تسببه ، ولله الفضل يختص به من يشاء ) ) .