الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        290 - الحديث العاشر : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له } . وفي لفظ { من أعمر عمرى له ولعقبه . فإنها للذي أعطيها . لا ترجع إلى الذي أعطاها ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث } [ ص: 541 ] وقال جابر { إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقول : هي لك ولعقبك ، فأما إذا قال : هي لك ما عشت : فإنها ترجع إلى صاحبها } .

                                        291 - وفي لفظ لمسلم { أمسكوا عليكم أموالكم ، ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها : حيا ، وميتا ، ولعقبه }

                                        التالي السابق


                                        " العمرى " لفظ مشتق من العمر وهي تمليك المنافع أو إباحتها مدة العمر ، وهي على وجوه :

                                        أحدها : أن يصرح بأنها للمعمر ولورثته من بعده ، فهذه هبة محققة ، يأخذها الورثة بعد موته .

                                        وثانيهما : أن يعمرها ، ويشترط الرجوع إليه بعد موت المعمر وفي صحة هذه العمرى خلاف ، لما فيها من تغيير وضع الهبة .

                                        وثالثها : أن يعمرها مدة حياته ، ولا يشترط الرجوع إليه ، ولا التأبيد ، بل يطلق وفي صحتها : خلاف مرتب على ما إذا شرط الرجوع إليه ، وأولى ههنا بأن تصح ، لعدم اشتراط شرط يخالف مقتضى العقد والذي ذكر في الحديث ، من بعد قوله { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى } يحتمل أن يحمل على صورة الإطلاق ، وهو أقرب إذ ليس في اللفظ تقييد ، ويحتمل أن يحمل الصورة الثانية وهو مبين بالكلام بعد ، في الرواية الأخرى ويحتمل أن يحمل على جميع الصور ، إذا قلنا : إن مثل هذه الصيغة من الراوي : تقتضي العموم ، وفي ذلك خلاف بين أرباب الأصول ، وقوله " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " يريد : أنها التي شرط فيها له ولعقبه ويحتمل أن يكون المراد : صورة الإطلاق ، ويؤخذ كونه وقعت فيه [ ص: 542 ] المواريث من دليل آخر ، وهذا الذي قاله جابر : تنصيص على أن المراد بالحديث صورة التقييد بكونها له ولعقبه .

                                        وقوله " إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي أمضاها ، وجعلها للعقب لا تعود وقد نص على أنه إذا أطلق هذه العمرى : أنها ترجع وهو تأويل منه ، ويجوز من حيث اللفظ : أن يكون رواه ، أعني قوله { إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : هي لك ولعقبك } فإن كان مرويا ، فلا إشكال في العمل به ، وإن لم يكن مرويا ، فهذا يرجع إلى تأويل الصحابي الراوي ، فهل يكون مقدما ، من حيث إنه قد تقع له قرائن تورثه العلم بالمراد ، ولا يتفق تعبيره عنها ؟




                                        الخدمات العلمية