الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4837 - وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صمت نجا " . رواه أحمد ، والترمذي ، والدارمي ، والبيهقي في " شعب الإيمان " .

التالي السابق


4837 - ( وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صمت ) أي : سكت عن الشر ( نجا ) أي : فاز وظفر بكل خير ، أو نجا من آفات الدارين . قال الراغب : الصمت أبلغ من السكوت ؛ لأنه قد يستعمل فيما لا قوة له للنطق وفيما له قوة النطق ؛ ولهذا قيل لما لا نطق له الصامت والمصمت ، والسكوت يقال لما له نطق فيترك استعماله . وقال الغزالي : اعلم أن ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - من فصل الخطاب وجوامع الكلم وجواهر الحكم ، ولا يعرف أحد ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء ، وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من الخطأ والكذب والنميمة والغيبة والرياء والسمعة والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل وغيرها . ومع ذلك النفس مائلة إليها ؛ لأنها سباقة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في النفس وعليها بواعث من [ ص: 3039 ] الطبع والشيطان ، فالخائض فيها قلما يقدر على أن يزم اللسان فيطلقه بما يجب ، ويكفه عما لا يجب ، ففي الخوض خطر ، وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار والفراغة للفكر والعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ، ومن حسابه في العقبى ، وقد قال تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ويدلك على لزوم الصمت أمر ، وهو أن الكلام أربعة أقسام قسم هو ضرر محض ، وقسم هو نفع محض ، وقسم فيه ضرر ومنفعة ، وقسم لا ضرر فيه ولا منفعة ، أما الذي هو ضرر محض ، فلا بد من السكوت عنه ، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر ، وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول ، والاشتغال به تضييع زمان ، وهو عين الخسران ظاهرا ، فلا يبقى إلا القسم الرابع ، وفيه خطر إذا قد يمتزج به ما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجا يخفى مدركه ، فيكون الإنسان به مخاطرا اهـ . وحاصله أن آفات اللسان غير محصورة ، وفي الصمت خلاص منها ، وقد قيل : اللسان جرمه صغير وجرمه كبير وكثير . ( رواه أحمد ، والترمذي ، والدارمي ، والبيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية