الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4187 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مقعيا يأكل تمرا . وفي رواية : يأكل منه أكلا ذريعا . رواه مسلم .

التالي السابق


4187 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مقعيا ) : اسم فاعل من الإقعاء ( يأكل تمرا ) : حال أو مفعول ثان ، ومقعيا حال أي : جالسا على وركيه رافعا ركبته وهي الجلسة المنهي عنها في الصلاة ، كذا ذكره بعض الشراح من علمائنا ، وقيل : الإقعاء المنهي عنه في الصلاة ، هو أن يجلس واضعا إليتيه على عقبيه ، والأظهر أن كليهما مكروه في الصلاة ، وإنما لم يكره هنا لأن ثم فيه تشبيه بالكلاب ، وهنا تشبيه بالأرقاء ، ففيه غاية التواضع أو مبنى الصلاة على التأني فلا يناسبه الإقعاء ، بخلاف حال الأكل ، فإنه يلائمه العجلة ليفرغ للعبادة . قال النووي : معناه في هذا الحديث جالسا على إليتيه ناصبا ساقيه ، وهو في معنى الحديث الآخر في صحيح البخاري : " لا آكل متكئا " على ما فسره الإمام الخطابي يعني : لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ، ويقعد له متمكنا ، بل أقعد مستوفزا وآكل قليلا ، قلت : ويؤيده ما رواه ابن سعد وغيره عن عائشة : " آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد " .

( وفي رواية ) : أي : لمسلم ( يأكل منه ) : أي من التمر ( أكلا ذريعا ) : أي مستعجلا سريعا ، قال النووي : و كان استعجاله لاستيفازه لأمر أهم من ذلك ، فأسرع في الأكل ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة ، ثم يذهب في ذلك الشغل . ( رواه مسلم ) : وفي الشمائل للترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر فرأيته يأكل وهو مقع من الجوع أي : لأجله ، والمعنى أن إقعاءه وإسراعه كان لأجل جوعه ، ووقع في بعض الروايات : " وهو محتفز " . قال الجوهري : الإقعاء عند أهل اللغة أن يلصق الرجل إليتيه بالأرض ، : وينصب ساقيه ، ويتساند ظهره ، وقال الفقهاء في الإقعاء المنهي للصلاة هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين [ ص: 2704 ] السجدتين . قال الجزري في النهاية : ومن الأول حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل مقعيا أي : يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن ، وتبعه العسقلاني ، وفي القاموس : أقعى في جلوسه أي : تساند إلى ما وراءه ، وحينئذ فيجمع بين قوله ونقل الجوهري عن اللغويين والفقهاء بالجمع بين هيئة الاحتباء والتساند إلى الوراء ، فمعنى " وهو مقع من الجوع " محتبيا مستندا لما وراءه من الضعف الحاصل له بسبب الجوع ، وبما تحرر تقرر أن الاستناد ليس من مندوبات الأكل ، بل من ضروراته لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله إلا لذلك الضعف الحاصل له الحامل عليه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية