الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3789 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي ; أن أرجعه بما نال من أجر وغنيمة ، أو أدخله الجنة " . متفق عليه .

التالي السابق


3789 - ( وعنه ) ; أي عن أبي هريرة رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انتدب الله ) : أي ضمن ( لمن خرج في سبيله ) : أي الجهاد ( لا يخرجه ) : أي حال كونه لا يكون باعث خروجه ( إلا ; إيمان بي وتصديق برسلي ) ، فيه التفات وفي جمع الرسل إشارة إلى أن تصديق واحد تصديق للكل ، أو إيماء إلى تعظيمه فإنه قام مقام الكل ( أن أرجعه ) : بفتح همزة وكسر جيم ; أي أرده ( بما نال ) : أي أدرك ( من أجر ) : أي فقط إن لم يغنم شيئا ( أو غنيمة ) ; أي معها أجر فأو للتنويع ، وكذا في قوله : ( أو أدخله الجنة ) ، عطفا على أرجعه ; أي دخولا أوليا . وفي النهاية : انتدب الله ; أي أجابه إلى غفرانه ، يقال : ندبته فانتدب ; أي بغيته ودعوته ، فأجاب ، وقال التوربشتي : وفي بعض طرقه تضمن الله ، وفي بعضها تكفل الله ، وكلاها أشبه بنسق الكلام من قوله : انتدب الله وكل ذلك صحاح . قال الطيبي ، قوله : أن أرجع متعلق بانتدب بحرف الجار على تضمين تكفل ; أي : تكفل الله بأن يرجعه ، فأرجعه حكاية قول الله تعالى ، ولعل انتدب اشبه وأبلغ ، ولأنه مسبوق بدعوة الداعي مثل صورة خروج المجاهد في سبيل الله بالداعي الذي يدعو لله ، ويندبه لنصرته على أعداء الدين وقهره أحزاب الشياطين ، ونيل أجوره والفوز بالغنيمة على الاستعارة التمثيلية ، وكان المجاهد في سبيل الله الذي لا غرض له في جهاده سوى التقرب إلى الله تعالى ووصلة ينال

[ ص: 2456 ] بها الدرجات العلى تعرض بجهاده لطلب النصر والمغفرة ، فأجابه الله تعالى لبغيته ووعد له إحدى الحسنيين ، إما السلامة والرجوع بالأجر والغنيمة . وإما الوصل إلى الجنة والفوز بمرتبة الشهادة ، وقوله : ( بما نال ) على لفظ الماضي ; وارد على تحقق وعد الله تعالى وحصوله ، وقوله : ( إلا ; إيمان بي ) بالرفع ، وقال النووي : ( إيمانا وتصديقا ) بالنصب في جميع نسخ مسلم على أنه مفعول له ; أي : لا يخرجه مخرج ولا يحركه محرك إلا إيمانا وتصديقا . قال الطيبي : على رواية الرفع المستثنى منه أعم عام الفاعل ; أي لا يخرجه مخرج ولا يحركه محرك إلا إيمان وتصديق ، وعلى رواية النصب المستثنى منه أعم عام المفعول له ; أي : لا يخرجه المخرج ولا يحركه المحرك لشيء من الأشياء إلا للإيمان والتصديق . وقال الأشرف : في الكلام إضمار ; أي انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلا لا يخرجه إلا إيمان بي . قلت : فالجملة مقول القول ، وهو حال عن الله ، والأظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - نقل كلامه تعالى أولا بالمعنى ، ثم عاد إلى نقل نظمه ، فكأنه قال : انتدبت لمن خرج في سبيلي إلخ . وقال الطيبي : والأوفق أن يكون التفاتا إذ لو قيل لا إيمان به لكان مجرى على الظاهر ، ولم يفتقر إلى الإضمار ، فعدل تفخيما لشأن المخرج ومزيدا لاختصاصه وقربه ، والجار من أن أرجعه محذوف ; أي أجاب الله دعاءه بأن قال : إما أن أرجعه بما نال من أجر ، أو غنيمة . قال التوربشتي : يروى ، أو غنيمة وهو لفظ الكتاب ، ويروى بالواو وهو أوجه الروايتين وأسدهما معنى . قلت : فيه بحث إذ يلزم أن لا يرجع المجاهد إلا بالجمع بين الأجر والغنيمة وهي قد تحصل وقد لا تحصل ، فالرواية بأو هي الأصل والأولى ، وتحمل الواو على معناها ليتم المعنى على المبنى ، وفي شرح مسلم للنووي قالوا : معناه أرجعه إلى مسكنه مع ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنموا ، أو مع الأجر والغنيمة معا إن غنموا ، وقيل : إن ( أو ) هنا بمعنى الواو ; أي من أجر وغنيمة إذ وقع بالواو في رواية أبي داود ، وكذا في صحيح مسلم في رواية يحيى بن يحيى .

قال الطيبي : ( أو ) بمعنى الواو ورد في التنزيل منه قوله تعالى : ( عذرا أو نذرا ) كذا ذكره القتيبي . قلت : لا مانع من ورود ( أو ) بمعنى الواو ، وإنما الكلام في صحة إيراده هاهنا على ما سبق في تحقيق المعنى ، مع أن المثال المذكور ليس فيه نص أن أو بمعنى الواو ، بل الظاهر أن ( أو ) فيه للتنويع ; أيضا إما بالنسبة إلى الملقيات ، أو بالإضافة إلى المكلفين . قال الطيبي : قوله : أو غنيمة عطف على أجر ، وأدخله على أرجعه فيكون صلة أن ، والتقدير أن الله تعالى أجاب الخارج في سبيله إما بأن يرجعه إلى مسكنه مع أجر بلا غنيمة ، أو أجر مع غنيمة ، وإما أن يستشهد فيدخله الجنة . قال النووي : قال القاضي عياض : يحتمل أن يدخله عند موته كما قال تعالى : في الشهداء : ( أحياء عند ربهم يرزقون ) وأن يراد دخوله الجنة مع السابقين المقربين بلا حساب ولا عذاب ، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه . ( متفق عليه ) . ورواه النسائي ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية