الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
848 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال : كنت أقود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر ، فقال لي : " يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ؟ " ، فعلمني قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ، قال : فلم يرني سررت بهما جدا ، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس ، فلما فرغ ، التفت إلي ، فقال : " يا عقبة ! كيف رأيت ؟ " ، رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .

التالي السابق


848 - ( وعن عقبة بن عامر : قال : كنت أقود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ) ، أي : أجرها من قدامها لصعوبة تلك الطريق ، أو صعوبة رأسها ، أو شدة الظلام ، ( في السفر فقال لي : " يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ؟ ) ، أي : بالنسبة إلى عقبة ، فإنه كان يحتاج إليهما أو في باب التعوذ مع سهولة حفظهما في التعوذ بالله من شر الأشرار خاصة [ ص: 698 ] في السفر ، وإلا فالقرآن كله خير ، ( فعلمني قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس : قال الطيبي : أي إذا تقصيت القرآن المجيد إلى آخره سورتين سورتين ما وجدت في باب الاستعاذة خيرا منهما ( قال ) ، أي : عقبة ( فلم يرني ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( سررت ) : على بناء المفعول أي جعلت مسرورا وفرحا ( بهما جدا ) ، أي : سرورا كثيرا ؛ لأنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه اعتنى بهما وصلى بهما في صلاة ، وقول ابن حجر أصلا في معنى جدا لا وجه له أصلا ( فلما نزل ) : صلى الله عليه وسلم ( لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس ) : بحكم عجلة السفر أو مقتضى المقام من الحذر فإن أهل الجاهلية إذا نزلوا منزلا كانوا يقولون : نعوذ بسيد هذا الوادي ، هذا مما خطر ببالي والله أعلم .

( فلما فرغ التفت إلي فقال : " يا عقبة كيف رأيت ؟ ) ، أي : علمت ووجدت عدة هاتين السورتين حيث أقيمتا مقام الطويلتين ، يعني لو لم تكونا عظيمتي القدر لما قرأتهما في الصلاة ، ولم تسدا مسد الطوال ، قال الطيبي : ويمكن أن يقال : إن عقبة ما سر ابتداء لما لم يكشف له خيريتهما ، وما زال منه ما كان هو فيه من الفزع ، ولما صلى بهما كشف له ذلك المعنى ببركة الصلاة ، وأزيل ذلك الخوف ، فمعنى كيف رأيت ، كيف وجدت مصداق قولي خير سورتين قرئتا في باب التعوذ ، فعلى هذا يكون قرئتا صفة مميزة ، قال التوربشتي : أشار عليه السلام إلى الخيرية في الحالة التي كان عقبة عليها ، وذلك أنه كان في سفره ، وقد أظلم عليه الليل ، ورآه مفتقرا إلى تعلم ما يدفع به الويل ، وشر ما أظلم عليه الليل ، فعين السورتين لما فيهما من وجازة اللفظ والاشتمال على المعنى الجامع ، ولم يفهم عقبة المعنى الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم من التخصيص ، فظن أن الخيرية إنما تقع على مقدار السورة وقصرها ؛ ولهذا قال : فلم يرني سررت بهما جدا ، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهما ليعرفه أن قراءتهما في الحال المتصف عليها أمثل من قراءة غيرهما ، وتبين له أنهما يسدان مسد الطويلتين اهـ .

وفي جواهر الفقه : يكفر من أنكر المعوذتين من القرآن غير مؤول ، وقال بعض المتأخرين : كفر مطلقا أول أو لم يؤول ، وفي بعض الفتاوى في إنكار المعوذتين من القرآن اختلاف المشايخ ، والصحيح أنه كفر ، كذا في مفتاح السعادة ، وقال ابن حجر : ولكون البسملة من القرآن ظنية لم يكفر إجماعا جاحدها ولا مثبتها ، إذ التكفير لا يكون بالظنيات ، بل وإن قلنا بالقطع لشبهة الخلاف ، كما أن ابن مسعود قال بإنكار قراءة المعوذتين كما جاء عنه ، وقول النووي : إنه كذب عليه رد بأنه صح عنه ، لكنه مؤول بأنه لم ينكر أصل القرآنية ، بل إثباتهما بالمصحف ؛ لأنه يشترط فيما يثبت فيه أمره عليه السلام بإثباته فيه ، وذلك يجري فيما صح عنه أيضا من إسقاط الفاتحة من مصحفه .

قلت : يحمل قول النووي أنه كذب عليه على إنكار أصل القرآنية ، فيكون مقبولا لا مردودا ، وهو الظاهر ، ( رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ) : من حديث القاسم ، مولى معاوية ، عن عقبة ، والقاسم هذا أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن القرشي ، وثقه يحيى بن معين وغيره ، وتكلم فيه غير واحد ، قاله ميرك .




الخدمات العلمية