الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5503 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يمكث أبوا الدجال ثلاثين عاما ، لا يولد لهما ولد ، ثم يولد لهما غلام أعور أضرس ، وأقله منفعة ، تنام عيناه ولا ينام قلبه " . ثم نعت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه ، فقال : " أبوه طوال ضرب اللحم ، كأن أنفه منقار ، وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين " . فقال أبو بكرة : فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة ، فذهبت أنا والزبير بن العوام ، حتى دخلنا على أبويه ، فإذا نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهما ، فقلنا : هل لكما ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاما ، لا يولد لنا ولد ، ثم ولد لنا غلام أعور أضرس ، وأقله منفعة ، تنام عيناه ولا ينام قلبه . قال : فخرجنا من عندهما ، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة ، وله همهمة ، فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قال : هل سمعت ما قلنا ؟ قال : نعم ، تنام عيناي ولا ينام قلبي . رواه الترمذي .

التالي السابق


5503 - ( وعن أبي بكرة ) : بالتاء ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " يمكث أبوا الدجال " ) أي : والداه ( " ثلاثين عاما " ) ، ولعل المراد به أحد الدجالين ; فلا ينافيه ما سبق ، ولا ما يأتي من الكلام ( " لا يولد لهما ولد ، ثم يولد لهما غلام أعور أضرس " ) أي : عظيم الضرس ، وهو السن ، والمراد به الناب لما سيأتي ، ( " وأقله " ) أي : وأقل غلام ( " منفعة " ) ، والمعنى : لا غلام أقل منه نفعا . قال الجزري : قوله : أضرس كذا في نسخ المصابيح أي عظيم الضرس ، أو الذي يولد وضرسه معه ، ولا شك عندي أنه تصحيف أضر شيء ، وكذا هو في كتاب الترمذي الذي أخذه المؤلف منه ، وبهذا يصح عطف وأقله منفعة عليه من غير تعسف ولا تكلف تقدير ، ويكون الضمير عائدا إلى شيء ، أي : أقل شيء منفعة .

قلت : ويؤيده أنه أورد الحافظ ابن حجر في شرح البخاري حديث أبي بكرة ناقلا عن أبي داود ، وفيه : غلام أعور أضر شيء وأقله نفعا ، ( " تنام عيناه ولا ينام قلبه " ) ، قال القاضي - رحمه الله : أي لا تنقطع أفكاره الفاسدة عنه عند النوم ; لكثرة وساوسه وتخيلاته وتواتر ما يلقي الشيطان إليه ، كما لم يكن ينام قلب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من أفكاره الصالحة ; بسبب ما تواتر عليه من الوحي والإلهام .

( ثم نعت لنا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أبويه فقال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( " أبوه طوال " ) : بضم الطاء وتخفيف الواو مبالغة طويل ، والمشدد أكثر مبالغة ، لكن الأول هو الرواية ( " ضرب اللحم " ) أي : خفيفه ، وفي النهاية : هو الخفيف اللحم المستدق ، وفي صفة موسى - عليه الصلاة والسلام - أنه ضرب من الرجال ( " كأن " ) : بتشديد النون ( " أنفه منقار " ) : بكسر الميم أي : في أنفه طول بحيث يشبه منقار طائر ، ( " وأمه امرأة فرضاخية " ) : بكسر الفاء وتشديد التحتية أي : ضخمة عظيمة ، ذكره القاضي ، وفي الفائق : هي صفة بالضخم ، وقيل بالطول ، والياء مزيدة فيه للمبالغة كأحمري ، وفي القاموس : رجل فرضاخ ضخم عريض أو طويل ، وهي بهاء ، وامرأة فرضاخة أو فرضاخية عظيمة الثديين ، وفي النهاية : فرضاخية ضخمة عظيمة الثديين ، ( " طويلة اليدين " ) أي : بالإضافة إلى عادة نسائها ، أو بالنسبة إلى سائر أعضائها .

[ ص: 3492 ] ( فقال أبو بكرة : فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة ، فذهبت أنا والزبير بن العوام ) : بالرفع أو النصب ( حتى دخلنا على أبويه ، فإذا نعت رسول الله ) أي : وصفه ( - صلى الله تعالى عليه وسلم - فيهما ، فقلنا : هل لكما ولد ) ؟ بالرفع أي : ولد ولد ، ( فقالا : مكثنا ) : بفتح الكاف وضمها أي : لبثنا ( ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثم ولد لنا غلام أعور أضرس ) ، فيه ما تقدم ( وأقله منفعة ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ) ، ولعله كان يظهر بعض آثار قلبه على صفحة قالبه ، أو هو أخبرهما عن بعض مدركات قلبه حال نومه .

( قال ) أي : أبو بكرة ( فخرجنا من عندهما ، فإذا هو ) أي : الغلام ( منجدل ) بكسر الدال أي : ملقى على وجه الأرض . قال الطيبي رحمه الله : أي ملقى على الجدالة ، وهي الأرض ، ومنه الحديث : " أنا خاتم الأنبياء في أم الكتاب وآدم المنجدل في طينته " . قلت ففيه تجريد أو تأكيد ، والمعنى أنه ساقط أو واقع ( في الشمس في قطيفة ) أي : دثار مخمل ، وقيل لحاف صغير ، ( له على ما في القاموس ، ( وله همهمة ) أي : زمزمة ، وقال شارح : أي كلام غير مفهوم منه شيء ، وهي في الأصل ترديد الصوت في الصدر ، أي : كما هو مشاهد في الفرس عند جريانه ، وفي النهاية : وأصل الهمهمة صوت البقر ، ( فكشف ) أي : ابن صياد ( عن رأسه ) أي : غطاءه ( فقال : ما قلتما ) ؟ كأنه وقع كلام بينهما فيه أو في غيره ، ( قلنا : وهل سمعت ما قلنا ؟ قال نعم ، تنام عيناي ولا ينام قلبي . رواه الترمذي ) ، وكذا أبو داود .




الخدمات العلمية