الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5208 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن هذا الخير خزائن ، لتلك الخزائن مفاتيح ، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير ، مغلاقا للشر ، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر ، مغلاقا للخير " . رواه ابن ماجه .

التالي السابق


5208 - ( وعن سهل بن سعد ، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " إن هذا الخير " ) أي : هذا الجنس من الخير المدسوس المعلوم كالمحسوس ( " خزائن " ) أي : أنواع كثيرة مخزونة مكنونة مركوزة موضوعة فيما بين عباده ( " لتلك الخزائن " ) : خبر مقدم على مبتدئه ، وهو قوله ( " مفاتيح " ) أي : على أيدي عبيده الذين هم بمنزلة وكلائه ، ثم الظاهر أن ذكر تأخير بدون ذكر الشر من باب الاكتفاء ، أو إشارة إلى أن الشر ما خلق [ ص: 3261 ] لذاته ، ولذا ورد في قوله تعالى : بيدك الخير مع أن الأمر كله لله . وفي الحديث الشريف : " الخير كله بيديك والشر ليس إليك " أدبا . فقيل : المعنى أنه لا ينسب إليك ، والأظهر أن الشر إنما يحصل بترك الخير ، فيكون بينهما نسبة التضاد كالنور والظلمة والوجود والعدم ، ومما يدل على أن لله خزائن للشر أيضا قوله : ( " فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير " ) أي : علما أو عملا أو حالا أو مالا ( " ومغلاقا للشر وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر " ) أي : للكفر والعصيان والبطر والطغيان والبخل ، وسوء العشرة مع الإخوان ( " مغلاقا للخير " ) . قال الراغب : الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل والشيء النافع ، والشر ضده ، والخير والشر قد يتحدان ، وهو أن يكون خير الواحد شر الآخر ، كالمال الذي يكون رياء كان خيرا لزيد وشرا لعمرو ، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال في موضع إن ترك خيرا أي : مالا . وقال في موضع آخر : أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات انتهى . وكذا العلم بالنسبة إلى بعضهم حجاب وسبب العذاب ، وبالنسبة إلى بعض آخر اقتراب إلى رب الأرباب ، وقيس على هذا العبادة ، فإن منها ما يورث العجب والغرور ، ومنها ما يورث النور والسرور والحبور كالسيف والخيل ونحوها . قد يجعل آلة للجهاد مع الكفار ، ويتوصل بها إلى القرار في دار الأبرار ، وقد يتوصل بها إلى قتل الأنبياء والأولياء ، وينتهى بها إلى الدرك الأسفل من النار ، وهذا معنى ما سيأتي من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : " ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار " . يعني بحسب ما قسم لأهله قسمة أزلية أبدية مبنية على جعل بعضهم مرائي الجمال وبعضهم مظاهر الجلال ، كما قال : فريق في الجنة وفريق في السعير وقد قال : ( خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي ) مشيرا إلى قوله سبحانه : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فبحر القضاء والقدر عريض عميق ، لا يغوص فيه إلا من له تحقيق بتوفيق يتحير فيه أرباب السواحل ، ويمضي منه أصحاب سفن الشرائع الكوامل . ( رواه ابن ماجه ) : وروى الطبراني في الأوسط ، عن أبي هريرة مرفوعا " إن هذه الأخلاق من الله ، فمن أراد الله تعالى به خيرا منحه خلقا حسنا ومن أراد له سوءا منحه سيئا " .




الخدمات العلمية