الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5190 - وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : لا ، يا رب ! ولكن أشبع يوما وأجوع يوما ، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " رواه أحمد ، والترمذي .

التالي السابق


5190 - ( وعنه ) أي : عن أبي أمامة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي ربي " ) أي : إلي عرضا حسيا أو معنويا ، وهو الأظهر ، والمعنى شاورني وخيرني بين الوسع في الدنيا ، واختيار البلغة لزام العقبى من غير حساب ولا عتاب . ( " ليجعل لي " ) أي : ملكا لي أو مخصوصا لأمتي على تقدير إقبالي عليها ، والتفاتي إليها ، ويصير لأجلي ( " بطحاء مكة " ) أي : أرضها ورمالها ( " ذهبا " ) أي : بدل حجرها ومدرها ، وأصل البطحاء مسيل الماء ، وأراد هنا عرصة مكة وصحاريها فإفاضته بيانية . قال الطيبي ، قوله : بطحاء مكة تنازع فيه عرض وليجعل أي : عرض علي بطحاء ليجعلها لي ذهبا ( " فقلت : لا " ) أي : لا أريد ولا أختار . ( " يا رب ! ولكن أشبع يوما " ) أي : أختار أو أريد أن أشبع وقتا أي : فأشكر ( " وأجوع يوما " ) أي : فأصبر كما فصله وبينه [ ص: 3250 ] بقوله : ( " فإذا جعت تضرعت إليك " ) أي : بعرض الافتقار عليك ( " وذكرتك " ) أي : بسببه فإن الفقر يورث الذكر ، كما في الغنى يوجب الكفر ( " وإذا شبعت حمدتك " ) أي : بما ألهمتني من ثنائك ( " وشكرتك " ) : على إشباعك وسائر نعمائك . قال الطيبي رحمه الله : جمع في القرينتين بين الصبر والشكر ، وهما صفتا المؤمن الكامل . قال تعالى : إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور الكشاف : صبار على بلائه شكور لنعمائه وهما صفتا المؤمن المخلص ، فجعلهما كناية عنه ، أقول : وتحقيقه على طريقة الصوفية السادة الصفية أن الصفتين المذكورتين والخصلتين المسطورتين ناشئتان من تربية الله للسالك بين صفتي الجلال والجمال ، إذ بهما تتم مرتبة الكمال ، وهو الرضا عن المولى بكل حال بخلاف حال المتحرفين ، وأفعال المتحيرين المذنبين حيث قال تعالى : فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون وقال : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين . ( رواه أحمد ، والترمذي ) .




الخدمات العلمية