الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
247 [ ص: 320 ] [ ص: 321 ] حديث أول لمالك ، عن ضمرة بن سعيد

مالك ، عن ضمرة بن سعيد المازني ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير : ماذا كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة ؟ قال : كان يقرأ ( هل أتاك حديث الغاشية ) .

التالي السابق


هذا حديث متصل صحيح ، وقال فيه ابن عيينة ، عن ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله ، أن الضحاك بن قيس كتب إلى النعمان بن بشير : أخبرني بأي شيء كان النبي عليه السلام يقرأ في الجمعة ؟ فكتب إليه - ثم ذكر الحديث هكذا قال : كتب الضحاك ، فكتب إليه النعمان .

حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا ابن [ ص: 322 ] عيينة - فذكره ، وليس مخالفا لحديث مالك ; لأن في حديث مالك أن الضحاك سأل ، وقد يحتمل أن يكون سأله بالكتاب إليه ، ورواية أبي أويس لهذا الحديث كرواية مالك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أبي ، عن ضمرة بن سعيد المازني النجاري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن الضحاك بن قيس الفهري ، عن النعمان بن بشير ، قال : سألناه ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ يوم الجمعة مع السورة التي ذكر فيها الجمعة ؟ قال : كان يقرأ فيها ( هل أتاك حديث الغاشية ) .

قال أبو عمر : لم يقل في هذا الحديث : بإثر سورة الجمعة ، وقال : مع سورة الجمعة ، والمعنى في ذلك سواء ، والمراد به الركعة الثانية من الجمعة ، وفي الركعة الأولى سورة الجمعة ، وذلك كله مع فاتحة الكتاب في ابتداء كل ركعة على ما ستراه ممهدا واضحا في باب العلاء إن شاء الله .

واختلف الفقهاء فيما يقرأ به في صلاة الجمعة ، فقال مالك : أحب إلي أن يقرأ الإمام في الجمعة ( هل أتاك حديث الغاشية ) مع سورة الجمعة .

[ ص: 323 ] وقال مرة أخرى : أما الذي جاء به الحديث فـ ( هل أتاك حديث الغاشية ) مع سورة الجمعة ، والذي أدركت عليه الناس : ( سبح اسم ربك الأعلى ) .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك أن كلتا السورتين قراءتهما حسنة مستحبة مع سورة الجمعة في الركعة الثانية ، وأما الأولى فسورة الجمعة ، ولا ينبغي للإمام عنده أن يترك سورة الجمعة ولا سورة ( هل أتاك حديث الغاشية ) و ( سبح اسم ربك الأعلى ) في الثانية ، فإن فعل وقرأ بغيرهما فقد أساء وبئس ما صنع ، ولا تفسد بذلك عليه صلاته إذا قرأ بأم القرآن وسورة معها في كل ركعة منها .

وقال الشافعي ، وأبو ثور : يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بسورة الجمعة ، وفي الثانية ( إذا جاءك المنافقون ) ويستحب مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وداود بن علي ألا يترك سورة الجمعة على حال .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : ما قرأ به الإمام في صلاة الجمعة فحسن ، وسورة الجمعة وغيرها في ذلك سواء ، ويكرهون أن يؤقت في ذلك شيء من القرآن بعينه .

[ ص: 324 ] وقال الثوري : لا يتعمد أن يقرأ في الجمعة بالسور التي جاءت في الأحاديث ، ولكنه يتعمدها أحيانا ، ويدعها أحيانا .

قال أبو عمر : روى ابن عباس ، وأبو هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ يوم الجمعة وفي العيد - أيضا - بسورة الجمعة ، ( إذا جاءك المنافقون ) فأما حديث ابن عباس فرواه الثوري ، وشعبة ، عن مخول بن راشد ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

وأما حديث أبي هريرة فرواه جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه أن أبا هريرة ، وعلي بن أبي طالب كانا يفعلان ذلك .

واختلف عن النعمان بن بشير في حديثه في هذا الباب ، ففي حديث مالك عن ضمرة ما ذكرنا .

وروى حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير أن النبي عليه السلام كان يقرأ في العيدين و الجمعة ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) .

[ ص: 325 ] وهكذا روى سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، قال أبو بكر : وحدثنا وكيع ، عن سفيان وشعبة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين و الجمعة ( هل أتاك حديث الغاشية ) و ( سبح اسم ربك الأعلى ) وإذا اجتمع عيدان في يوم قرأهما فيهما .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد ، عن شعبة ، قال : أخبرني معبد بن خالد ، عن زيد - وهو ابن عقبة - عن سمرة بن جندب قال : كان النبي عليه السلام يقرأ في الجمعة بـ ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) وبهذا الإسناد عن خالد قال : [ ص: 326 ] حدثنا شعبة ، قال : أخبرني مخول ، قال : سمعت مسلما البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح " الم تنزيل " و ( هل أتى على الإنسان ) وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة ، والمنافقين .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن أبي رافع ، قال : صلى بنا أبو هريرة الجمعة ، فقرأ بسورة الجمعة ، وفي الركعة الآخرة ( إذا جاءك المنافقون ) قال : فأدركت أبا هريرة حين انصرف ، فقلت له : إنك قرأت بسورتين كان علي يقرأ بهما في الكوفة ، قال أبو هريرة : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما يوم الجمعة ويحتمل أن يكون سؤال الضحاك بن قيس للنعمان على سبيل التقرير ، ويحتمل أن يكون على سبيل الاستفهام والاستخبار عما جهل من ذلك ، والنعمان أصغر سنا من الضحاك ، ولم يزل الصحابة يأخذ بعضهم عن بعض رضي الله عنهم أجمعين .




الخدمات العلمية