الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1746 [ ص: 69 ] مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول : اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار ، فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن ربيعة ينظر قال : وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد ، قال : فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء ، قال : فوعك سهل مكانه ، واشتد وعكه ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سهلا وعك ، وأنه غير رائح معك يا رسول الله ، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره سهل بالذي كان من أمر عامر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : علام يقتل أحدكم أخاه ؟ ألا بركت ؟ إن العين حق ، توضأ له فتوضأ عامر فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس .

التالي السابق


قال أبو عمر في هذا الحديث : إن العين حق .

وفيه أن العين إنما تكون مع الإعجاب ، وربما مع الحسد ، وفيه أن الرجل الصالح قد يكون عائنا ، وأن هذا ليس من باب الصلاح ، ولا من باب الفسق في شيء .

وفيه أن العائن لا ينفي كما زعم بعض الناس .

وفيه أن التبريك لا تضر معه عين العائن ، والتبريك قول القائل : اللهم بارك فيه ، ونحو هذا ، وقد قيل : إن التبريك [ ص: 70 ] ( أن يقول ) تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه .

وفيه جواز الاغتسال بالعراء ، والخرار موضع بالمدينة ، وقيل : واد من أوديتها .

وفيه دليل على أن العائن يجبر على الاغتسال للمعين ، وفيه أن النشرة وشبهها لا بأس بها ، وقد ينتفع بها .

وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني مستوعبة ، وذكرنا حكم الاغتسال ، وهيئته ، وما في ذلك كله مهذبا في باب ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل من كتابنا هذا فأغنى عن الإعادة هاهنا .

( ومما يدلك على أن صاحب العين إذا أعجبه شيء كان منه بقدر الله ما قضاه ، وأن العين ربما قتلت كما قال - صلى الله عليه وسلم - : علام يقتل أحدكم أخاه ؟ ما رويناه عن الأصمعي أنه قال : رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه صوت شخبها فقال : أيتهن هذه ؟ قالوا : الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها ، فهلكتا جميعا : المورى بها ، والمورى عنها .

قال الأصمعي : وسمعته يقول : إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني [ ص: 71 ] قال الأصمعي : وكان عندنا رجلان يعينان الناس ، فمر أحدهما بحوض من حجارة ، فقال : تالله ما رأيت كاليوم قط ، فتطاير الحوض فرقتين فأخذه أهله فضببوه بالحديد ، فمر عليه ثانية فقال : وأبيك لعل ما أضررت أهلك فيك ، فتطاير أربع فرق ، قال : وأما الآخر فسمع صوت بول من وراء حائط ، فقال : إنه لبن الشخب ، فقالوا : إنه فلان ابنك ، فقال : وانقطاع ظهراه ، قالوا : إنه لا بأس عليه قال : لا يبول بعدها أبدا قال : فما بال حتى مات .

ويقال من هذا : عنت فلانا أعينه ، إذا أصبته بعين ، ورجل معين ، ومعيون إذا أصيب بالعين قال عباس بن مرداس :


قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون

.




الخدمات العلمية