الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
383 [ ص: 26 ] حديث سادس وأربعون nindex.php?page=showalam&ids=11863لأبي الزناد
مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1014598لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه ، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة .
هذا حديث صحيح لا مطعن لأحد فيه من جهة الإسناد ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من وجوه .
في هذا الحديث دليل على أن nindex.php?page=treesubj&link=23842فضل منتظر الصلاة كفضل المصلي ; لأنه معلوم أن قوله عليه السلام : لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه . لم يرد به أن ينتظر الصلاة قائما ، ولا أنه راكع وساجد ، وإنما أراد أن فضل انتظار الصلاة بالقصد إلى ذلك وبالنية فيه كفضل الصلاة ، وأن منتظرها كالمصلي في الفضل ، ولله أن يتفضل بما شاء على من يشاء فيما شاء من الأعمال لا معقب لحكمه ولا راد لفضله ، ومن الوجه الذي عرفنا فضل الصلاة فيه عرفنا فضل انتظارها ، وقد علم الناس أن المصلي في تلاوته وقيامه وركوعه أتعب من المنتظر للصلاة ذاكرا كان أو ساكنا ، ولكن الفضائل لا تدرك بنظر ، ولا مدخل فيها لقياس ، ولو أخذت قياسا لكان من نوى السيئة كمن نوى الحسنة ، ولكن الله منعم [ ص: 27 ] كريم متفضل رحيم يكتب الحسنة بالنية ، وإن لم تعمل ، فإن عملت ضعفت عشرا إلى سبعمائة ، والله يضاعف لمن يشاء ، ولا يؤاخذ عباده المسلمين بما وسوست به صدورهم ، ونووا من الشر ما لم يعملوه ، وهذا كله لا مدخل فيه للقياس ، ألا ترى إلى ما مضى ذكره في باب nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر من هذا الكتاب في nindex.php?page=treesubj&link=1407_28272_19695_19696الذي كان له صلاة من الليل فغلبته عينه ، أنه يكتب له أجر صلاته ، وأن nindex.php?page=treesubj&link=28272_28276_19695_19701من نوى الجهاد وأراده ، ثم حبسه عن ذلك عذر ، أنه يكتب له أجر المجاهد في مشيه وسعيه ونصبه ، ومعلوم أن مشقة المسافر وما يلقاه من ألم السفر ، لا يجده المتخلف المحبوس بالعذر ، وكذلك المريض يكتب له في مرضه ما كان يواظب عليه من أعمال البر ، وهذا كله موجود في الآثار الصحاح عن النبي عليه السلام قد مضى أكثرها في هذا الكتاب ، فغير نكير أن يعطى منتظر الصلاة فضل المصلي وثواب عمله لحبسه نفسه عن التصرف في حاجاته انتظارا منه لصلاته ، كما يحبس المعتكف نفسه عن تصرفه ، ويلزم موضع اعتكافه حينا في صلاة ، وحينا في غير صلاة ، وهو في ذلك كله معتكف ، وكذلك المرابط المنتظر لصيحة العدو في موضع الخوف له فضل المقاتل في سبيل الله ، الشاهر سيفه في ذلك كانتظار العدو وإرصاده له وارتقابه إياه ، وقد سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=treesubj&link=23842انتظار الصلاة بعد الصلاة رباطا ، وسيأتي ذلك في باب أبي العلاء إن شاء الله .
وقد روينا عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء أنه قال : من قلة فقه الرجل أن يكون في المسجد منتظرا للصلاة ، وهو يحسب أن ليس في صلاة .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16887محمد بن أبي السري العسقلاني قال : رأيته يأتي المسجد فيحييه بركعتين ثم يجلس ويقول : ما أبالي صليت أو قعدت منتظرا للصلاة ، وهذا - والله أعلم - إذا كان المنتظر للصلاة لا يحبسه في المسجد إلا [ ص: 28 ] انتظارها ، ولا يخلط بنيته سواها ، ويحتاج مع ذلك أن لا يلغو ولا يلهو ، فحينئذ يرجى له بما ذكرنا ، وقد نزع nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام في معارضته nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة حين قال له في الساعة التي في يوم الجمعة : هي آخر ساعة من النهار ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : كيف يكون ذلك ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن ذلك ليس بوقت صلاة ، وقال في الساعة التي في يوم الجمعة : لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي . فقال له nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام : أليس قد قال - صلى الله عليه وسلم - إن أحدكم في صلاة ما كان ينتظر الصلاة ؟ قال : نعم . قال : فهو ذاك . فسكت nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وسلم لما أخذته الحجة ، وهكذا أهل الإنصاف ، والله المستعان .
وقد قيل : إن منتظر الصلاة في المسجد ، وإن لغا ولها ، فإنه على أصل نيته وعمله ، وسنذكر بعد هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1014597الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث ، وما ذهب إليه مالك وغيره في ذلك إن شاء الله .
وقد قيل : إن منتظر الصلاة وإن كتب له أجر المصلي ، فالمصلي أفضل منه ، كما أنه بعض الشهداء أفضل من بعض ، وكلهم يسمى شهيدا ، ومن حجة من قال هذا القول ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم . يعني في الأجر ، والله أعلم .
فإذا كان القائم أفضل من القاعد في الصلاة ، فكذلك هو أفضل من المنتظر ، والله يؤتي فضله من شاء لا شريك له ، وتحصيل هذا الباب عندي - والله أعلم - ما تنعقد عليه النية ، وما يجده في نفسه المتخلف عن الغزو بالعذر من ألم ما فقد من ذلك ، والحسرة والتأسف والحزن عليه ، وشدة الحرص في النهوض إليه ، وكذلك المريض والنائم فيما فاته لمرضه ونومه من صلاته ، وسائر صالح عمله ، والله الموفق للصواب .