قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق
فيه ثماني مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ( ذلك ) يحتمل أن يكون في موضع رفع بتقدير : فرضكم ذلك ، أو الواجب ذلك . ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير : امتثلوا ذلك ؛ ونحو هذه الإشارة البليغة قول
زهير :
هذا وليس كمن يعيا بخطته وسط الندي إذا ما قائل نطقا
والحرمات المقصودة هنا هي أفعال الحج المشار إليها في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم ويدخل في ذلك تعظيم المواضع ؛ قاله
ابن زيد وغيره . ويجمع ذلك أن
[ ص: 51 ] تقول : الحرمات امتثال الأمر من فرائضه وسننه .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فهو خير له عند ربه أي التعظيم خير له عند ربه من التهاون بشيء منها . وقيل : ذلك التعظيم خير من خيراته ينتفع به ، وليست للتفضيل وإنما هي عدة بخير .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30وأحلت لكم الأنعام أن تأكلوها ؛ وهي الإبل والبقر والغنم .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30إلا ما يتلى عليكم أي في الكتاب من المحرمات ؛ وهي الميتة والموقوذة وأخواتها . ولهذا اتصال بأمر الحج ؛ فإن في الحج الذبح ، فبين ما يحل ذبحه وأكل لحمه . وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فاجتنبوا الرجس من الأوثان الرجس : الشيء القذر . الوثن : التمثال من خشب ، أو حديد ، أو ذهب ، أو فضة ، ونحوها ، وكانت العرب تنصبها وتعبدها . والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه فهو كالتمثال أيضا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=864008وقال عدي بن حاتم : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب فقال : ألق هذا الوثن عنك أي الصليب ؛ وأصله من وثن الشيء أي أقام في مقامه . وسمي الصنم وثنا لأنه ينصب ويركز في مكان فلا يبرح عنه . يريد اجتنبوا عبادة الأوثان ، روي عن
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج . وسماها رجسا لأنها سبب الرجز وهو العذاب . وقيل : وصفها بالرجس ، والرجس النجس فهي نجسة حكما . وليست النجاسة وصفا ذاتيا للأعيان وإنما هي وصف شرعي من أحكام الإيمان ، فلا تزال إلا بالإيمان كما لا تجوز الطهارة إلا بالماء .
الرابعة : ( من ) في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30من الأوثان قيل : إنها لبيان الجنس ، فيقع نهيه عن رجس الأوثان فقط ، ويبقى سائر الأرجاس نهيها في غير هذا الموضع . ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية ؛ فكأنه نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم ؛ إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس . ومن قال إن ( من ) للتبعيض قلب معنى الآية وأفسده .
الخامسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30واجتنبوا قول الزور والزور : الباطل والكذب . وسمي زورا لأنه أميل عن الحق ؛ ومنه
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17تزاور عن كهفهم ، ، ومدينة زوراء ؛ أي مائلة . وكل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور . وفي الخبر أنه - عليه السلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=864009قام خطيبا فقال : عدلت شهادة [ ص: 52 ] الزور الشرك بالله قالها مرتين أو ثلاثا . يعني أنها قد جمعت مع عبادة الوثن في النهي عنها .
السادسة : هذه الآية تضمنت
nindex.php?page=treesubj&link=16215الوعيد على الشهادة بالزور ، وينبغي للحاكم إذا عثر على الشاهد بالزور أن يعزره وينادي عليه ليعرف لئلا يغتر بشهادته أحد . ويختلف الحكم في
nindex.php?page=treesubj&link=16218شهادته إذا تاب ؛ فإن كان من أهل العدالة المشهور بها المبرز فيها لم تقبل ؛ لأنه لا سبيل إلى علم حاله في التوبة ؛ إذ لا يستطيع أن يفعل من القربات أكثر مما هو عليه . وإن كان دون ذلك فشمر في العبادة وزادت حاله في التقى قبل شهادته . وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500272إن من أكبر الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور ، وقول الزور . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
السابعة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حنفاء لله معناه مستقيمين أو مسلمين مائلين إلى الحق . ولفظة ( حنفاء ) من الأضداد تقع على الاستقامة وتقع على الميل . و ( حنفاء ) نصب على الحال . وقيل : حنفاء حجاجا ؛ وهذا تخصيص لا حجة معه .
الثامنة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء أي هو يوم القيامة بمنزلة من لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عن نفسه ضرا ولا عذابا ؛ فهو بمنزلة من خر من السماء ، فهو لا يقدر أن يدفع عن نفسه .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31فتخطفه الطير أي تقطعه بمخالبها . وقيل : هذا عند خروج روحه وصعود الملائكة بها إلى سماء الدنيا ، فلا يفتح لها فيرمى بها إلى الأرض ؛ كما في حديث
البراء ، وقد ذكرناه في التذكرة . والسحيق : البعيد ؛ ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فسحقا لأصحاب السعير ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : فسحقا فسحقا .