[ ص: 434 ] النوع الثامن والسبعون .
في معرفة
nindex.php?page=treesubj&link=28959شروط المفسر وآدابه .
nindex.php?page=treesubj&link=28962أحسن طرق التفسير : 1 - قال العلماء : من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن ، فما أجمل منه في مكان فقد فسر في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر منه .
وقد ألف ابن الجوزي كتابا فيما أجمل في القرآن في موضع ، وفسر في موضع آخر منه ، وأشرت إلى أمثلة منه في نوع المجمل .
2 - فإن أعياه ذلك طلبه من السنة : فإنها شارحة للقرآن وموضحة له . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [ النساء : 105 ] . . . في آيات أخر .
وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979860ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه . يعني : السنة .
3 - فإن لم يجده من السنة رجع إلى أقوال الصحابة : فإنهم أدرى بذلك ، لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ، ولما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح .
[ ص: 435 ] وقد قال
الحاكم في المستدرك : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29571تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل له حكم المرفوع .
وقال
الإمام أبو طالب الطبري في أوائل تفسيره : القول في آداب المفسر :
اعلم أن من شرطه صحة الاعتقاد أولا ، ولزوم سنة الدين ، فإن من كان مغموصا عليه في دينه ، لا يؤتمن على الدنيا ، فكيف على الدين ثم لا يؤتمن من الدين على الإخبار عن عالم ، فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تعالى ، ولأنه لا يؤمن إن كان متهما بالإلحاد أن يبغي الفتنة ، ويغر الناس بليه وخداعه ، كدأب
الباطنية وغلاة
الرافضة ، وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه على ما يوافق بدعته ، كدأب
القدرية ، فإن أحدهم يصنف الكتاب في التفسير ، ومقصوده منه الإيضاح خلال المساكين ، ليصدهم عن اتباع السلف ، ولزوم طريق الهدى .
ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه ومن عاصرهم ، ويتجنب المحدثات ، وإذا تعارضت أقوالهم ، وأمكن الجمع بينها فعل ، نحو أن يتكلم على الصراط المستقيم وأقوالهم فيه ترجع إلى شيء واحد ، فيأخذ منها ما يدخل فيه الجميع ، فلا تنافي بين القرآن وطريق الأنبياء ، فطريق السنة وطريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق
أبي بكر وعمر ، فأي هذه الأقوال أفرده كان محسنا .
وإن تعارضت رد الأمر إلى ما ثبت فيه السمع ، وإن لم يجد سمعا ، وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدها رجح ما قوي الاستدلال فيه ،
[ ص: 436 ] كاختلافهم في معنى حروف الهجاء ، يرجح قول من قال : إنها قسم . وإن تعارضت الأدلة في المراد علم أنه قد اشتبه عليه فيؤمن بمراد الله منها ، ولا يتهجم على تعيينه ، وينزله منزلة المجمل قبل تفصيله ، والمتشابه قبل تبيينه .
ومن شروط صحة المقصد فيما يقول ليلقى التسديد ، فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا [ العنكبوت : 69 ] . وإنما يخلص له القصد إذا زهد في الدنيا; لأنه إذا رغب فيها لم يؤمن أن يتوسل به إلى غرض يصده عن صواب قصده ، ويفسد عليه صحة عمله .
وتمام هذه الشرائط أن يكون ممتلئا من عدة الإعراب ، لا يلتبس عليه اختلاف وجوه الكلام ، فإنه إذا خرج بالبيان عن وضع اللسان ، إما حقيقة أو مجازا ، فتأويله تعطيله . وقد رأيت بعضهم يفسر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قل الله ثم ذرهم [ الأنعام : 91 ] . إنه ملازمة قول الله ، ولم يدر الغبي أن هذه جملة حذف منها الخبر ، والتقدير : الله أنزله . انتهى كلام
أبي طالب .
وقال
ابن تيمية في كتاب ألفه في هذا النوع :
يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن ، كما بين لهم ألفاظه ، فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] . يتناول هذا وهذا .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرءون القرآن
كعثمان بن [ ص: 437 ] عفان nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا . ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة .
وقال
أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد في أعيننا . رواه
أحمد في مسنده . وأقام
ابن عمر على حفظ البقرة ثمان سنين . أخرجه في الموطأ .
وذلك أن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته [ ص : 29 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن [ النساء : 82 ] . وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن .
وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم ، كالطب والحساب ، ولا يستشرحونه ، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم ، وبه نجاتهم وسعادتهم ، وقيام دينهم ودنياهم ، ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا ، وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم .
[ وكلما كان العصر أشرف ، كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر ] .
[ ص: 438 ] ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة ، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال .
nindex.php?page=treesubj&link=28966والخلاف بين السلف في التفسير قليل . وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ، وذلك صنفان .
أحدهما : أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه ، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر ، مع اتحاد المسمى كتفسيرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6الصراط المستقيم بعض : بالقرآن أي : اتباعه ، وبعض : بالإسلام ، فالقولان متفقان لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ، ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر ، كما أن لفظ : الصراط يشعر بوصف ثالث .
وكذلك قول من قال : هو السنة والجماعة . وقول من قال : هو طريق العبودية ، وقول من قال : هو طاعة الله ورسوله . وأمثال ذلك . فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة ، لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها .
الثاني : أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل ، وتنبيه المستمع على النوع ، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه ، مثاله ما نقل في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا [ فاطر : 32 ] . فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات ، والمنتهك للحرمات ، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات ، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات . فالمقتصدون أصحاب اليمين ، والسابقون السابقون أولئك هم المقربون .
ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات كقول القائل : السابق الذي يصلي في أول الوقت ، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه ، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار . أو يقول : السابق المحسن بالصدقة مع الزكاة ، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط ، والظالم مانع الزكاة .
قال : وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير ، تارة لتنوع الأسماء والصفات ، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى ، هو الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف .
[ ص: 439 ] ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين :
إما لكونه مشتركا في اللغة كلفظ
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=51قسورة [ المدثر : 51 ] . الذي يراد به الرامي ، ويراد به الأسد . ولفظ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17عسعس [ التكوير : 17 ] . الذي يراد به إقبال الليل وإدباره .
وإما لكونه متواطئا في الأصل ، لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشخصين كالضمائر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى [ النجم : 8 ] . وكلفظ الفجر والشفع والوتر وليال عشر وأشباه ذلك ، فمثل ذلك يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف ، وقد لا يجوز ذلك .
فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة ، وهذا تارة ، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معناه . وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لمخصصه موجب ، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني .
ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة ، كما إذا فسر بعضهم
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70تبسل [ الأنعام : 70 ] . ب ( تحبس وبعضهم ب ( ترتهن لأن كلا منهما قريب من الآخر .
[ ص: 434 ] النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ .
فِي مَعْرِفَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28959شُرُوطِ الْمُفَسِّرِ وَآدَابِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28962أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ : 1 - قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ طَلَبَهُ أَوَّلًا مِنَ الْقُرْآنِ ، فَمَا أُجْمِلَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ فَقَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَمَا اخْتُصِرَ فِي مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ .
وَقَدْ أَلَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ كِتَابًا فِيمَا أُجْمِلَ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعٍ ، وَفُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ ، وَأَشَرْتُ إِلَى أَمْثِلَةٍ مِنْهُ فِي نَوْعِ الْمُجْمَلِ .
2 - فَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ طَلَبَهُ مِنَ السُّنَّةِ : فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضَّحَةٌ لَهُ . وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [ النِّسَاءِ : 105 ] . . . فِي آيَاتٍ أُخَرَ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979860أَلَّا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ . يَعْنِي : السُّنَّةَ .
3 - فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ مِنَ السُّنَّةِ رَجَعَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ : فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ ، لِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ عِنْدَ نُزُولِهِ ، وَلِمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ .
[ ص: 435 ] وَقَدْ قَالَ
الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29571تَفْسِيرَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ .
وَقَالَ
الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الطَّبَرِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ : الْقَوْلُ فِي آدَابِ الْمُفَسِّرِ :
اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ أَوَّلًا ، وَلُزُومُ سُنَّةِ الدِّينِ ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ ، لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الدُّنْيَا ، فَكَيْفَ عَلَى الدِّينِ ثُمَّ لَا يُؤْتَمَنُ مِنَ الدِّينِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ عَالِمٍ ، فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْإِلْحَادِ أَنْ يَبْغِيَ الْفِتْنَةَ ، وَيُغِرِّ النَّاسَ بِلَيِّهِ وَخِدَاعِهِ ، كَدَأْبِ
الْبَاطِنِيَّةِ وَغُلَاةِ
الرَّافِضَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِهَوًى لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَحْمِلَهُ هَوَاهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ بِدَعَتِهِ ، كَدَأْبِ
الْقَدَرِيَّةِ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يُصَنِّفُ الْكِتَابَ فِي التَّفْسِيرِ ، وَمَقْصُودُهُ مِنْهُ الْإِيضَاحُ خِلَالَ الْمَسَاكِينِ ، لِيَصُدَّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ ، وَلُزُومِ طَرِيقِ الْهُدَى .
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُ عَلَى النَّقْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ ، وَيَتَجَنَّبُ الْمُحْدَثَاتِ ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ أَقْوَالُهُمْ ، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا فَعَلَ ، نَحْوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَقْوَالُهُمْ فِيهِ تَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، فَيَأْخُذُ مِنْهَا مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْجَمِيعِ ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَطَرِيقِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَطَرِيقُ السُّنَّةِ وَطَرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقُ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَأَيُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَفْرَدَهُ كَانَ مُحْسِنًا .
وَإِنْ تَعَارَضَتْ رَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَا ثَبَتَ فِيهِ السَّمْعُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَمْعًا ، وَكَانَ لِلِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ إِلَى تَقْوِيَةِ أَحَدِهَا رَجَّحَ مَا قَوِيَ الِاسْتِدْلَالُ فِيهِ ،
[ ص: 436 ] كَاخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ ، يُرَجِّحُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا قَسَمٌ . وَإِنْ تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ فِي الْمُرَادِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَيُؤْمِنُ بِمُرَادِ اللَّهِ مِنْهَا ، وَلَا يَتَهَجَّمُ عَلَى تَعْيِينِهِ ، وَيُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْمُجْمَلِ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ ، وَالْمُتَشَابِهِ قَبْلَ تَبْيِينِهِ .
وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْمَقْصِدِ فِيمَا يَقُولُ لِيَلْقَى التَّسْدِيدَ ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [ الْعَنْكَبُوتِ : 69 ] . وَإِنَّمَا يَخْلُصُ لَهُ الْقَصْدُ إِذَا زَهِدَ فِي الدُّنْيَا; لِأَنَّهُ إِذَا رَغِبَ فِيهَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى غَرَضٍ يَصُدُّهُ عَنْ صَوَابِ قَصْدِهِ ، وَيُفْسِدُ عَلَيْهِ صِحَّةَ عَمَلِهِ .
وَتَمَامُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ أَنْ يَكُونَ مُمْتَلِئًا مِنْ عِدَّةِ الْإِعْرَابِ ، لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ وُجُوهِ الْكَلَامِ ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ بِالْبَيَانِ عَنْ وَضْعِ اللِّسَانِ ، إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ، فَتَأْوِيلُهُ تَعْطِيلُهُ . وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضُهُمْ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [ الْأَنْعَامِ : 91 ] . إِنَّهُ مُلَازِمَةُ قَوْلِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَدْرِ الْغَبِيُّ أَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ حُذِفَ مِنْهَا الْخَبَرُ ، وَالتَّقْدِيرُ : اللَّهُ أَنْزَلَهُ . انْتَهَى كَلَامُ
أَبِي طَالِبٍ .
وَقَالَ
ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي كِتَابٍ أَلَّفَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ :
يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِي الْقُرْآنِ ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ النَّحْلِ : 44 ] . يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14510أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ : حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ
كَعُثْمَانَ بْنِ [ ص: 437 ] عَفَّانَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزُوهَا حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا : فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا . وَلِهَذَا كَانُوا يَبْقَوْنَ مُدَّةً فِي حِفْظِ السُّورَةِ .
وَقَالَ
أَنَسٌ : كَانَ الرَّجُلَ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِي أَعْيُنِنَا . رَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ . وَأَقَامَ
ابْنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِ سِنِينَ . أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ .
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ ص : 29 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [ النِّسَاءِ : 82 ] . وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لَا يُمْكِنُ .
وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنَ الْعِلْمِ ، كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ ، وَلَا يَسْتَشْرِحُونَهُ ، فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ ، وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ ، وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ قَلِيلًا جِدًّا ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُمْ .
[ وَكُلَّمَا كَانَ الْعَصْرُ أَشْرَفَ ، كَانَ الِاجْتِمَاعُ وَالِائْتِلَافُ وَالْعِلْمُ وَالْبَيَانُ فِيهِ أَكْثَرَ ] .
[ ص: 438 ] وَمِنَ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفْسِيرِ عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَرُبَّمَا تَكَلَّمُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28966وَالْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ . وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنَ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ ، وَذَلِكَ صِنْفَانِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الْمُرَادِ بِعِبَارَةٍ غَيْرَ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ ، تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرَ الْمَعْنَى الْآخَرِ ، مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى كَتَفْسِيرِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ بَعْضٌ : بِالْقُرْآنِ أَيِ : اتِّبَاعُهُ ، وَبَعْضٌ : بِالْإِسْلَامِ ، فَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ : الصِّرَاطِ يُشْعِرُ بِوَصْفٍ ثَالِثٍ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إِلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ ، لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا .
الثَّانِي : أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الِاسْمِ الْعَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ ، وَتَنْبِيهَ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوْعِ ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ ، مِثَالُهُ مَا نُقِلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا [ فَاطِرٍ : 32 ] . فَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُضَيِّعَ لِلْوَاجِبَاتِ ، وَالْمُنْتَهِكَ لِلْحُرُمَاتِ ، وَالْمُقْتَصِدُ يَتَنَاوَلُ فَاعِلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَارِكَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَالسَّابِقُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ سَبَقَ فَتَقَرَّبَ بِالْحَسَنَاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ . فَالْمُقْتَصِدُونَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُقَرَّبُونَ .
ثُمَّ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : السَّابِقُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَثْنَائِهِ ، وَالظَّالِمُ لِنَفَسِهِ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ إِلَى الِاصْفِرَارِ . أَوْ يَقُولُ : السَّابِقُ الْمُحْسِنُ بِالصَّدَقَةِ مَعَ الزَّكَاةِ ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَقَطْ ، وَالظَّالِمُ مَانِعُ الزَّكَاةِ .
قَالَ : وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي تَنَوُّعِ التَّفْسِيرِ ، تَارَةً لِتَنَوُّعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَتَارَةً لِذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسَمَّى ، هُوَ الْغَالِبُ فِي تَفْسِيرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ .
[ ص: 439 ] وَمِنَ التَّنَازُعِ الْمَوْجُودِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ :
إِمَّا لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي اللُّغَةِ كَلَفْظِ
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=51قَسْوَرَةٍ [ الْمُدَّثِّرِ : 51 ] . الَّذِي يُرَادُ بِهِ الرَّامِي ، وَيُرَادُ بِهِ الْأَسَدُ . وَلَفْظِ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17عَسْعَسَ [ التَّكْوِيرِ : 17 ] . الَّذِي يُرَادُ بِهِ إِقْبَالُ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِهِ .
وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُتَوَاطِئًا فِي الْأَصْلِ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ كَالضَّمَائِرِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى [ النَّجْمِ : 8 ] . وَكَلَفْظِ الْفَجْرِ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلَّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَهَا السَّلَفُ ، وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ .
فَالْأَوَّلُ إِمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً ، وَهَذَا تَارَةً ، وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ . وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمُخَصِّصِهِ مُوجَبٌ ، فَهَذَا النَّوْعُ إِذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الثَّانِي .
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَنْ يُعَبِّرُوا عَنِ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ ، كَمَا إِذَا فَسَّرَ بَعْضُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70تُبْسَلَ [ الْأَنْعَامِ : 70 ] . بِ ( تُحْبَسَ وَبَعْضُهُمْ بِ ( تُرْتَهَنَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ .