[ ص: 216 ] النوع الثاني والستون في
nindex.php?page=treesubj&link=28881_28875مناسبة الآيات والسور .
أفرده بالتأليف
العلامة أبو جعفر بن الزبير شيخ
أبي حيان في كتاب سماه البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن ، ومن أهل العصر
الشيخ برهان الدين البقاعي في كتاب سماه ( نظم الدرر في تناسب الآي والسور ) وكتابي الذي صنفته في أسرار التنزيل كافل بذلك جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمنه من بيان وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة ، وقد لخصت منه مناسبة السور خاصة في جزء لطيف ، سميته تناسق الدرر في تناسب السور .
وعلم المناسبة علم شريف قل اعتناء المفسرين به لدقته ، وممن أكثر منه
الإمام فخر الدين ، فقال في تفسيره : أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط .
وقال
ابن العربي في سراج المريدين : ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى يكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم ، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة ، ثم فتح الله لنا فيه ، فلما لم نجد له حملة ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ، ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه .
وقال غيره :
nindex.php?page=treesubj&link=34020أول من أظهر علم المناسبة الشيخ أبو بكر النيسابوري ، وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه : لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه ؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة ؟ وكان يزري على علماء
بغداد لعدم علمهم بالمناسبة .
[ ص: 217 ] وقال
الشيخ عز الدين بن عبد السلام : المناسبة علم حسن لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره ، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط ، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك ، يصان عن مثله حسن الحديث فضلا عن أحسنه ، فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ، شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض .
وقال
الشيخ ولي الدين الملوي : قد وهم من قال : لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة . وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا ، وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا ، فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياتها بالتوقيف ، كما أنزل جملة إلى
بيت العزة ، ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر ، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ؟ ففي ذلك علم جم ، وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له انتهى .
وقال
الإمام الرازي في سورة البقرة : ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه ، وشرف معانيه ، فهو أيضا بسبب ترتيبه ، ونظم آياته ، ولعل الذين قالوا : إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين على هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل :
والنجم تستصغر الأبصار صورته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
[ ص: 216 ] النَّوْعُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28881_28875مُنَاسَبَةُ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ .
أَفْرَدَهُ بِالتَّأْلِيفِ
الْعَلَّامَةُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ شَيْخُ
أَبِي حَيَّانَ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الْبُرْهَانَ فِي مُنَاسَبَةِ تَرْتِيبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ ، وَمِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ
الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْبِقَاعِيُّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ ( نَظْمُ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ الْآيِ وَالسُّوَرِ ) وَكِتَابِي الَّذِي صَنَّفْتُهُ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ كَافِلٌ بِذَلِكَ جَامِعٌ لِمُنَاسَبَاتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ مَعَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ وَأَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ ، وَقَدْ لَخَّصْتُ مِنْهُ مُنَاسَبَةَ السُّوَرِ خَاصَّةً فِي جُزْءٍ لَطِيفٍ ، سَمَّيْتُهُ تَنَاسُقَ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ السُّوَرِ .
وَعِلْمُ الْمُنَاسَبَةِ عِلْمٌ شَرِيفٌ قَلَّ اعْتِنَاءُ الْمُفَسِّرِينَ بِهِ لِدِقَّتِهِ ، وَمِمَّنْ أَكْثَرَ مِنْهُ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ ، فَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ : أَكْثَرُ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ مُودَعَةٌ فِي التَّرْتِيبَاتِ وَالرَّوَابِطِ .
وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ : ارْتِبَاطُ آيِ الْقُرْآنِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ حَتَّى يَكُونَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مُتَّسِقَةَ الْمَعَانِي مُنْتَظِمَةَ الْمَبَانِي عِلْمٌ عَظِيمٌ ، لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ إِلَّا عَالِمٌ وَاحِدٌ عَمِلَ فِيهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ لَنَا فِيهِ ، فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ حَمَلَةً وَرَأَيْنَا الْخَلْقَ بِأَوْصَافِ الْبَطَلَةِ ، خَتَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ وَرَدَدْنَاهُ إِلَيْهِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34020أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ عَلِمَ الْمُنَاسَبَةِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، وَكَانَ غَزِيرَ الْعِلْمِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْأَدَبِ وَكَانَ يَقُولُ عَلَى الْكُرْسِيِّ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ : لِمَ جُعِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى جَنْبِ هَذِهِ ؟ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى جَنْبِ هَذِهِ السُّورَةِ ؟ وَكَانَ يُزْرِي عَلَى عُلَمَاءِ
بَغْدَادَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْمُنَاسَبَةِ .
[ ص: 217 ] وَقَالَ
الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : الْمُنَاسِبَةُ عِلْمٌ حَسَنٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي حُسْنِ ارْتِبَاطِ الْكَلَامِ أَنْ يَقَعَ فِي أَمْرٍ مُتَّحِدٍ مُرْتَبِطٍ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ ، فَإِنْ وَقَعَ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ يَقَعْ فِيهِ ارْتِبَاطٌ ، وَمَنْ رَبَطَ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِرَبْطٍ رَكِيكٍ ، يُصَانُ عَنْ مِثْلِهِ حَسَنُ الْحَدِيثِ فَضْلًا عَنْ أَحْسَنِهِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ ، شُرِّعَتْ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى رَبْطُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْمَلَّوِيُّ : قَدْ وَهِمَ مَنْ قَالَ : لَا يُطْلَبُ لِلْآيِ الْكَرِيمَةِ مُنَاسَبَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى حَسَبِ الْوَقَائِعِ الْمُفَرَّقَةِ . وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّهَا عَلَى حَسَبِ الْوَقَائِعِ تَنْزِيلًا ، وَعَلَى حَسَبِ الْحِكْمَةِ تَرْتِيبًا وَتَأْصِيلًا ، فَالْمُصْحَفُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُرَتَّبَةٌ سُوَرُهُ كُلُّهَا وَآيَاتُهَا بِالتَّوْقِيفِ ، كَمَا أُنْزِلَ جُمْلَةً إِلَى
بَيْتِ الْعِزَّةِ ، وَمِنَ الْمُعْجِزِ الْبَيِّنِ أُسْلُوبُهُ وَنَظْمُهُ الْبَاهِرُ ، وَالَّذِي يَنْبَغِي فِي كُلِّ آيَةٍ أَنْ يُبْحَثَ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ كَوْنِهَا مُكَمِّلَةً لِمَا قَبْلَهَا أَوْ مُسْتَقِلَّةً ، ثُمَّ الْمُسْتَقِلَّةُ مَا وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا ؟ فَفِي ذَلِكَ عِلْمٌ جَمٌّ ، وَهَكَذَا فِي السُّوَرِ يُطْلَبُ وَجْهُ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا وَمَا سِيقَتْ لَهُ انْتَهَى .
وَقَالَ
الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي لَطَائِفِ نَظْمِ هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي بَدَائِعِ تَرْتِيبِهَا عَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا أَنَّهُ مُعْجِزٌ بِحَسْبِ فَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ ، وَشَرَفِ مَعَانِيهِ ، فَهُوَ أَيْضًا بِسَبَبِ تَرْتِيبِهِ ، وَنَظْمِ آيَاتِهِ ، وَلَعَلَّ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّهُ مُعْجِزٌ بِسَبَبِ أُسْلُوبِهِ أَرَادُوا ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ جُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ مُعْرِضِينَ عَلَى هَذِهِ اللَّطَائِفِ غَيْرَ مُنْتَبِهِينَ لِهَذِهِ الْأَسْرَارِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا كَمَا قِيلَ :
وَالنَّجْمُ تَسْتَصْغِرُ الْأَبْصَارُ صُورَتَهُ وَالذَّنْبُ لِلطَّرْفِ لَا لِلنَّجْمِ فِي الصِّغَرِ