60 -
nindex.php?page=treesubj&link=20935لو
على خمسة أوجه :
( أحدها ) : الامتناعية ، واختلف في حقيقتها ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره . ومعناه كما قال
الصفار : أنك إذا قلت : لو قام زيد قام عمرو دلت
[ ص: 311 ] على أن قيام عمرو كان يقع لو وقع من زيد ، وأما أنه إذا امتنع قيام زيد ، هل يمتنع قيام عمرو أو يقع القيام من عمرو بسبب آخر ؟ فمسكوت عنه لم يتعرض له اللفظ ، وقال غيره : هي لتعليق ما امتنع بامتناع غيره .
وقال
ابن مالك : هي حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه .
وهي تسمى امتناعية شرطية ، ومثاله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=176ولو شئنا لرفعناه بها ( الأعراف : 176 ) دلت على أمرين :
أحدهما أن مشيئة الله لرفعه منتفية ، ورفعه منتف إذ لا سبب لرفعه إلا المشيئة .
الثاني : استلزام مشيئة الرفع للرفع ، إذ المشيئة سبب والرفع مسبب ، وهذا بخلاف :
لو لم يخف الله لم يعصه إذ لا يلزم من انتفاء ( لم يخف ) انتفاء ( لم يعصه ) ، حتى يكون خاف وعصى ، لأن انتفاء العصيان له سببان : خوف العقاب والإجلال ، وهو أعلى ، والمراد أن
صهيبا لو قدر خلوه عن الخوف لم يعص للإجلال ، كيف والخوف حاصل .
ومن فسرها بالامتناع اختلفوا ، فقال الأكثرون : إن الجزاء - وهو الثاني - امتنع لامتناع الشرط - وهو الأول - فامتنع الثاني وهو الرفع ، لامتناع الأول وهو المشيئة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب ومن تبعه كابن جمعة الموصلي ،
وابن خطيب زملكا : امتنع الأول لامتناع الثاني ، قالوا : لأن امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجزاء ، لجواز إقامة شرط آخر مقامه ، وأما امتناع الجزاء فيستلزم امتناع الشرط مطلقا .
وذكروا أن لها مع شرطها وجوابها أربعة أحوال :
أحدها : أن تتجرد من النفي نحو : لو جئتني لأكرمتك ، وتدل حينئذ على انتفاء الأمرين ، وسموها حرف وجوب لوجوب ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( النساء : 82 ) .
[ ص: 312 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ( التوبة : 46 ) . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=57أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( الزمر : 57 ) ، أي ما هداني بدليل قوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=59بلى قد جاءتك آياتي ( الزمر : 59 ) لأن بلى جواب للنفي .
وثانيها : إذا اقترن بها حرف النفي تسمى حرف امتناع لامتناع نحو : لو لم تكرمني لم أكرمك ، فيقتضي ثبوتهما لأنهما للامتناع فإذا اقترن بهما حرف نفي ، سلب عنهما الامتناع فحصل الثبوت لأن سلب السلب إيجاب .
ثالثها : أن يقترن حرف النفي بشرطها دون جوابها ، وهي حرف امتناع لوجوب ، نحو : لو تكرمني أكرمتك ، ومعناه عند الجمهور انتفاء الجزاء وثبوت الشرط .
رابعها : عكسه وهو حرف وجوب لامتناع ، نحو : لو جئتني لم أكرمك ، فيقتضي ثبوت الجزاء وانتفاء الشرط ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=81ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( المائدة : 81 ) .
واعلم أن تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه لها مطرد في جميع مواردها ، ألا ترى أن مفهوم الآية عدم نفاذ كلمات الله مع فرض شجر الأرض أقلاما والبحر ممدودا بسبعة أبحر مدادا ، ولا يلزم ألا يقع عدم نفاذ الكلمات إذا لم يجعل الشجر أقلاما والبحر مدادا .
وكذا في نعم العبد
صهيب ، فإن مفهومه أن عدم العصيان كان يقع عند عدم الخوف ، ولا يلزم ألا يقع عدم العصيان إلا عند عدم الخوف ، وهكذا الباقي .
وأما في تفسير من فسرها بأنها حرف امتناع لامتناع ، وذكر لها هذه الأحوال الأربعة فلا يطرد ، وذلك لتخلف هذا المعنى في بعض الموارد ; وهو كل موضوع دل الدليل فيه على أن الثاني ثابت مطلقا ، إذ لو كان منفيا لكان النفاد حاصلا ، والعقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلأن لا تنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى .
[ ص: 313 ] وكذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ( الأنعام : 111 ) . وكذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو أسمعهم لتولوا ( الأنفال : 23 ) فإن التولي عند عدم الإسماع أولى .
وأما قوله :
نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فنفي العصيان ثابت إذ لو انتفى نفي العصيان لزم وجوده ، وهو خلاف ما يقتضيه سياق الكلام في المدح .
ولما لم يطرد لهم هذا التفسير مع اعتقادهم صحته ، اختلفوا في تخريجها على طرق .
الأول : دعوى أنها في مثل هذه المواضع أعني الثابت فيها الثاني دائما ، إنما جاءت لمجرد الدلالة على ارتباط الثاني بالأول ، لا للدلالة على الامتناع ، وضابطها ما يقصد به الدلالة على مجرد الارتباط دون امتناع كل موضع قصد فيه ثبوت شيء على كل حال ، فيربط ذلك الشيء بوجود أحد النقيضين لوجوده دائما ، ثم لا يذكر إذ ذاك إلا النقيض الذي يلزم من وجود ذلك الشيء على تقدير وجوده ، على تقدير وجود النقيض الآخر فعدم النفاد في الآية الكريمة واقع على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما ، وكون البحر مده من بعده سبعة أبحر ، فعدم النفاد على تقدير انتفاء كون هذين الأمرين أولى ، وكذا عدم عصيان صهيب واقع على تقدير عدم خوفه ، فعدم عصيانه على تقدير وجود الخوف أولى . وعلى هذا يتقرر جميع ما يرد عليك من هذا الباب .
والتحقيق أنها تفيد امتناع الشرط كما سبق من الآيات الشريفة ، وتحصل أنها تدل على أمرين :
أحدهما : امتناع شرطها ، والآخر كونه مستلزما لجوابها ، ولا يدل على امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته ، فإذا قلت : لو قام زيد لقام عمرو ، فقيام زيد محكوم بانتفائه
[ ص: 314 ] فيما مضى ، وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو ، وهل لقيام عمرو وقت آخر غير اللازم عن قيام زيد ، أو ليس له ؟ لا يعرض في الكلام لذلك ، ولكن الأكثر كون الثاني والأول غير واقعين .
وقد سلب
الإمام فخر الدين الدلالة على الامتناع مطلقا ، وجعلها لمجرد الربط ، واحتج بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا ( الأنفال : 23 ) قال : فلو أفادت " لو " انتفاء الشيء لانتفاء غيره لزم التناقض ، لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم يقتضي أنه ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو أسمعهم لتولوا يفيد أنه تعالى ما أسمعهم ولا تولوا ، لكن عدم التولي خير فيلزم أن يكون وما علم فيهم خيرا . قال : فعلمنا أن كلمة " لو " لا تفيد إلا الربط . هذا كلامه .
وقد يمنع قوله : " إن عدم التولي خير " فإن الخير إنما هو عدم التولي ، بتقدير حصول الإسماع ، والفرض أن الإسماع لم يحصل ، فلا يكون عدم التولي على الإطلاق خيرا ، بل عدم التولي المرتب على الإسماع .
الطريق الثاني : أن قولهم لامتناع الشيء لامتناع غيره ، معناه أن ما كان جوابا لها كان يقع لوقوع الأول ، فلما امتنع الأول امتنع أن يكون الثاني واقعا لوقوعه ، فإن وقع فلأمر آخر ، وذلك لا ينكر فيها ، ألا ترى أنك إذا قلت : لو قام زيد قام عمرو ، دل ذلك على امتناع قيام عمرو الذي كان يقع منه لو وقع قيام زيد ، لا على امتناع قيام عمرو لسبب آخر ، وكذلك لو لم يخف الله لم يعصه ، امتنع عدم العصيان الذي كان سيقع عند عدم الخوف لو وقع ، ولا يلزم امتناع عدم العصيان عند وجود الخوف .
الثالث : أن تحمل " لو " فيما جاء من ذلك على أنها محذوفة الجواب فيكون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=26ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ( لقمان : 27 ) معناه لو كان
[ ص: 315 ] هذا لتكسرت الأشجار ، وفني المداد ، ويكون قوله : ( ما نفدت ) مستأنف أو على حذف حرف العطف ، أي وما نفدت .
الرابع : أن تحمل " لو " في هذه المواضع على التي بمعنى إن ، قال
أبو العباس : " لو " أصلها في الكلام أن تدل على وقوع الشيء لوقوع غيره ، تقول : لو جئتني لأعطيتك . ولو كان زيد هناك لضربتك ، ثم تتسع فتصير في معنى " إن " الواقعة للجزاء ، تقول : أنت لا تكرمني ولو أكرمتك ، تريد وإن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( يوسف : 17 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ( آل عمران : 71 ) تأويله عند أهل اللغة : لا يقبل أن يتبرر به وهو مقيم على الكفر ، ولا يقبل وإن افتدى به .
فإن قيل : كيف يسوغ هذا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض فإن ( إن ) الشرطية لا يليها إلا الفعل ، وأن المشددة مع ما عملت فيه اسم ، فإذا كانت " لو " بمنزلة " إن " فينبغي ألا تليها .
أجاب
الصفار : بأنه قد يلي " أن " الاسم في اللفظ ، فأجاز ذلك في إن نفسها ، فأولى أن يجوز في " لو " المحمولة عليها ، وكما جاز ذلك في لو قبل خروجها إلى الشرط ، مع أنها من الحروف الطالبة للأفعال .
قال : والدليل على أن " لو " في الآيتين السابقتين بمعنى " إن " أن الماضي بعدها في موضع المستقبل ، ولو الامتناعية تصرف معنى المستقبل إلى الماضي ، فإن المعنى وإن يفتد به .
واعلم أن ما ذكرناه من أنها تقتضي امتناع ما يليها أشكل عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17ولو كنا صادقين فإنهم لم يقروا بالكذب .
وأجيب بوجهين : أحدهما أنها بمعنى " إن " ، والثاني قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري إنه على الفرض ، أي ولو كنا من أهل الصدق عندك .
[ ص: 316 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فيما أفرده على سورة الحجرات : " لو " تدخل على جملتين فعليتين تعلق ما بينهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ، ولما لم تكن مخلصة بالشرط كـ " إن " ولا عاملة مثلها .
وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضموني جملتها . أن الثاني امتنع لامتناع الأول ، وذلك أن تكسو الناس فيقال لك : هلا كسوت زيدا ، فتقول : لو جاءني زيد لكسوته ، افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على التعليق ، فزيدت اللام ، ولم تفتقر إلى مثل ذلك " إن " لعملها في فعلها ، وخلوصها للشرط .
ويتعلق بـ " لو " الامتناعية مسائل :
الأولى : إنها كالشرطية في اختصاصها بالفعل ، فلا يليها إلا فعل أو معمول فعل يفسره ظاهر بعده ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=100قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( الإسراء : 100 ) حذف الفعل فانفصل الضمير . وانفردت " لو " بمباشرة " أن " كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=5ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ( الحجرات : 5 ) وهو كثير .
واختلف في موضع " أن " بعد " لو " فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : في موضع رفع بالابتداء ، واختلف عنه في الخبر فقيل محذوف ، وقيل : لا يحتاج إليه . وقال الكوفيون : فاعل بفعل مقدر تقديره : ولو ثبت أنهم ، وهو أقيس لبقاء الاختصاص .
الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجب كون خبر " أن " الواقعة بعد " لو " فعلا ، ليكون عوضا عن الفعل المحذوف .
وقال
أبو حيان : هو وهم وخطأ فاحش ، قال الله تبارك
[ ص: 317 ] وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( لقمان : 27 ) وكذا رده ابن الحاجب وغيره بالآية ، وقالوا : إنما ذاك في الخبر المشتق ، لا الجامد كالذي في الآية .
وأيد بعضهم كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأنه إنما جاء من حيث إن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27والبحر يمده ( لقمان : 27 ) لما التبس بالعطف بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27أنما في الأرض من شجرة أقلام صار خبر الجملة المعطوفة ، وهو " يمده " كأنه خبر الجملة المعطوف عليها لالتباسها بها .
قال الشيخ في " المغني " : وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا ولم يتنبه لها
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، كما لم يتنبه لآية
لقمان ، ولا ابن الحاجب وإلا لمنع من ذلك .
قلت : وهذا عجيب فإن " لو " في الآية للتمني ، والكلام في الامتناعية ، بل أعجب من ذلك كله أن مقالة
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري سبقه إليها
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي . وهذا الاستدراك وما استدرك به
[ ص: 318 ] منقول قديما في شرح الإيضاح
لابن الخباز ، لكن في غير مظنته ، فقال في باب إن وأخواتها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي : تقول : لو أن زيدا أقام لأكرمته ، ولا تجوز : لو أن زيدا حاضر لأكرمته ، لأنك لم تلفظ بفعل يسد مسد ذلك الفعل .
هذا كلامهم ، وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=20وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ( الأحزاب : 20 ) فأوقع خبرها صفة . ولهم أن يفرقوا بأن هذه للتمني ، فأجريت مجرى " ليت " كما تقول : ليتهم بادون . انتهى كلامه .
تنبيه
ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بعد كلامه السابق في سورة الحجرات سؤالا ، وهو ما الفرق بين قولك لو جاءني زيد لكسوته ، ونظيره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=4لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى ( الزمر : 4 ) وبين قوله : لو زيد جاءني لكسوته ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=100قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( الإسراء : 100 ) وبين قوله : لو أن زيدا جاءني لكسوته ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=5ولو أنهم صبروا ( الحجرات : 5 ) .
وأجاب بأن القصد في الأولى أن الفعلين تعليق أحدهما بصاحبه لا غير ، من غير تعرض لمعنى زائد على التعليق الساذج على الوجه الذي بينته ، وهو المعنى في الآية الأولى ، لأن الغرض نفي أن يتخذ الرحمن ولدا ، وبيان تعاليه عن ذلك ، وليس لأداء هذا الغرض إلا تجديد الفعلين للتعلق ، دون أمر زائد عليه ، وأما في الثاني فقد انضم إلى التعليق بأحد معنيين ، إما نفي الشك أو الشبهة ، أن المذكور الذي هو زيد مكسو لا محالة لو وجد منه المجيء ولم يمتنع ، وإما بيان أنه هو المختص بذلك دون غيره ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=100قل لو أنتم تملكون ( الإسراء : 100 ) محتمل المعنيين جميعا ، أعني أنهم لا محالة يملكون ، وأنهم المخصوصون بالإمساك لو ملكوا ، إشارة إلى أن الإله الذي هو مالكها ، وهو الله الذي وسعت رحمته كل شيء لا يمسك .
[ ص: 319 ] فإن قلت : " لو " لا تدخل إلا على فعل ، و " أنتم " ليس بمرفوع بالابتداء ، ولكن بـ " تملك " مضمرا ، وحينئذ فلا فرق بين " لو تملكون " ، وبين " لو أنتم تملكون " لمكان القصد إلى الفعل في الموضعين دون الاسم ، وإنما يسوغ هذا الفرق لو ارتفع بالابتداء .
قلت : التقدير وإن كان على ذلك إلا أنه لما كان تمثيلا لا يتكلم به ، ينزل الاسم في الظاهر منزلة الشيء تقدم لأنه أهم ، بدليل " لو ذات سوار لطمتني " في ظهور قصدهم إلى الاسم ، لكنه أهم فيما ساقه المثل لأجله .
وكذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ( التوبة : 6 ) وإن كان " أحد " مرفوعا بفعل مضمر في التقدير .
وأما في الثالث ، ففيه ما في الثاني مع زيادة التأكيد الذي تعطيه " أن " وفيه إشعار بأن زيدا كان حقه أن يجيء ، وأنه بتركه المجيء قد أغفل حظه ، فتأمل هذه الفروق وقس عليها نظائر التراكيب في القرآن العزيز ، فإنها لا تخرج عن واحد من الثلاثة .
الثالثة : الأكثر في جوابها المثبت اللام المفتوحة ، للدلالة على أن ما دخلت عليه هو اللازم لما دخلت عليه " لو " قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) ففي اللام إشعار بأن الثانية لازمة للأولى .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65لو نشاء لجعلناه حطاما ( الواقعة : 65 ) ويجوز حذفها
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لو نشاء جعلناه أجاجا ( الواقعة : 70 ) .
الرابعة : يجوز حذف جوابها للعلم به وللتعظيم ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لو أن لي بكم قوة ( هود : 80 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الرعد : 31 ) وهو كثير ، سبق في باب الحذف على ما فيه من البحث ، وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( لقمان : 27 ) فيحتمل أن يكون جواب " لو " محذوفا والتقدير : لنفدت هذه الأشياء ، وما
[ ص: 320 ] نفدت كلمات الله ، وأن يكون ما نفدت هو الجواب مبالغة في نفي النفاد ؛ لأنه إذا كان نفي النفاد لازما على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما والبحر مدادا كان لزومه على تقدير عدمها أولى .
وقيل : تقدر هي وجوابها ظاهرا ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ( المؤمنون : 91 ) تقديره : ولو كان معه آلهة إذا لذهب كل إله . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ( العنكبوت : 48 ) أي ولو يكون وخططت ، إذن لارتاب المبطلون .
الوجه الثاني : من أوجه " لو " أن تكون شرطية ، وعلامتها أن يصلح موضعها " إن " المكسورة ، وإنما أقيمت مقامها ، لأن في كل واحدة منهما معنى الشرط ، وهي مثلها فيليها المستقبل ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=52ولو أعجبك حسنهن ( الأحزاب : 52 )
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66ولو نشاء لطمسنا ( يس : 66 ) .
وإن كان ماضيا لفظا صرفه للاستقبال كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33ولو كره المشركون ( التوبة : 33 ) .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17ولو كنا صادقين ( يوسف : 17 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ( النساء : 9 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ( آل عمران : 91 ) ونظائره .
قالوا : ولولا أنها بمعنى الشرط لما اقتضت جوابا لأنه لا بد لها من جواب ظاهر أو مضمر ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد في الكامل : إن تأويله عند أهل اللغة : لا يقبل منه أن يفتدى به وهو مقيم على الكفر ولا يقبل إن افتدى به .
قالوا : وجوابها يكون ماضيا لفظا كما سبق ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14ولو سمعوا ما استجابوا لكم ( فاطر : 14 ) ومعنى ، ويكون باللام غالبا ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20ولو شاء الله لذهب بسمعهم ( البقرة : 20 ) .
وقد يحذف ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لو نشاء جعلناه أجاجا ( الواقعة : 70 ) ولا يحذف غالبا إلا في صلة ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وليخش الذين لو تركوا ( النساء : 9 ) الآية .
[ ص: 321 ] الثالث : لو المصدرية ، وعلامتها أن يصلح موضعها " أن " المفتوحة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=96يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ( البقرة : 96 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم ( البقرة : 109 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم ( النساء : 102 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=11يود المجرم لو يفتدي ( المعارج : 11 ) أي الافتداء .
ولم يذكر الجمهور مصدرية " لو " وتأولوا الآيات الشريفة على حذف مفعول " يود " ، وحذف جواب " لو " ، أي يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة ليسر بذلك .
وأشكل قول الأولين بدخولها على " أن " المصدرية ، في نحو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30تود لو أن بينها وبينه ( آل عمران : 30 ) والحرف المصدري لا يدخل على مثله .
وأجيب بأنها إنما دخلت على فعل محذوف مقدر تقديره : يود لو ثبت أن بينها ، فانتفت مباشرة الحرف المصدري لمثله .
وأورد
ابن مالك السؤال في :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فلو أن لنا كرة ( الشعراء : 102 ) وأجاب بهذا ، وبأن هذا من باب توكيد اللفظ بمرادفه ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31فجاجا سبلا ( الأنبياء : 31 ) .
وفي كلا الوجهين نظر ، أما الأول وهو دخول " لو " على " ثبت " مقدرا ، إنما هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ، وهو لا يراه فكيف يقرره في الجواب .
وأما الثاني ، فليست هنا مصدرية بل للتمني كما سيأتي ، ولو سلم فإنه يلزم ذلك وصل لو بجملة اسمية مؤكدة بـ " أن " . وقد نص
ابن مالك وغيره ، على أن صلتها لا بد أن تكون فعلية بماض أو مضارع .
قال
ابن مالك : وأكثر وقوع هذه بعد " ود " أو " يود " أو ما في معناهما من مفهم
[ ص: 322 ] تمن . وبهذا يعلم غلط من عدها حرف تمن ، ولو صح ذلك لم يجمع بينها وبين فعل تمن ، كما لا يجمع بين ليت وفعل تمن .
الرابع : لو التي للتمني ، وعلامتها أن يصح موضعها " ليت " ، نحو : لو تأتينا فتحدثنا ، كما تقول : ليتك تأتينا فتحدثنا ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فلو أن لنا كرة ( الشعراء : 102 ) ولهذا نصب فيكون في جوابها ، لأنها أفهمت التمني ، كما انتصب " فأفوز " ( النساء : 73 ) في جواب ليت :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73ياليتني كنت معهم ( النساء : 73 ) . وذكر بعضهم قسما آخر وهو التعليل كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135ولو على أنفسكم ( النساء : 135 ) .
60 -
nindex.php?page=treesubj&link=20935لَوْ
عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ :
( أَحَدُهَا ) : الِامْتِنَاعِيَّةُ ، وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتِهَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : هِيَ حِرَفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ . وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ
الصَّفَّارُ : أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو دَلَّتْ
[ ص: 311 ] عَلَى أَنَّ قِيَامَ عَمْرٍو كَانَ يَقَعُ لَوْ وَقَعَ مِنْ زَيْدٍ ، وَأَمَّا أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ قِيَامُ زَيْدٍ ، هَلْ يَمْتَنِعُ قِيَامُ عَمْرٍو أَوْ يَقَعُ الْقِيَامُ مِنْ عَمْرٍو بِسَبَبٍ آخَرَ ؟ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ اللَّفْظُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : هِيَ لِتَعْلِيقِ مَا امْتَنَعَ بِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ .
وَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ : هِيَ حَرْفُ شَرْطٍ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ مَا يَلِيهِ وَاسْتِلْزَامَهُ لِتَالِيهِ .
وَهِيَ تُسَمَّى امْتِنَاعِيَّةً شَرْطِيَّةً ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=176وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ( الْأَعْرَافِ : 176 ) دَلَّتْ عَلَى أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لِرَفْعِهِ مُنْتَفِيَةٌ ، وَرَفْعُهُ مُنْتَفٍ إِذْ لَا سَبَبَ لِرَفْعِهِ إِلَّا الْمَشِيئَةُ .
الثَّانِي : اسْتِلْزَامُ مَشِيئَةِ الرَّفْعِ لِلرَّفْعِ ، إِذِ الْمَشِيئَةُ سَبَبٌ وَالرَّفْعُ مُسَبَّبٌ ، وَهَذَا بِخِلَافِ :
لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ ( لَمْ يَخَفِ ) انْتِفَاءَ ( لَمْ يَعْصِهِ ) ، حَتَّى يَكُونَ خَافَ وَعَصَى ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِصْيَانِ لَهُ سَبَبَانِ : خَوْفُ الْعِقَابِ وَالْإِجْلَالُ ، وَهُوَ أَعْلَى ، وَالْمُرَادُ أَنَّ
صُهَيْبًا لَوْ قُدِّرَ خُلُوُّهُ عَنِ الْخَوْفِ لَمْ يَعْصِ لِلْإِجْلَالِ ، كَيْفَ وَالْخَوْفُ حَاصِلٌ .
وَمَنْ فَسَّرَهَا بِالِامْتِنَاعِ اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : إِنَّ الْجَزَاءَ - وَهُوَ الثَّانِي - امْتَنَعَ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ - وَهُوَ الْأَوَّلُ - فَامْتَنَعَ الثَّانِي وَهُوَ الرَّفْعُ ، لِامْتِنَاعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشِيئَةُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ كَابْنِ جُمُعَةَ الْمَوْصِلِيِّ ،
وَابْنِ خَطِيبٍ زَمَلْكَا : امْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي ، قَالُوا : لِأَنَّ امْتِنَاعَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ الْجَزَاءِ ، لِجَوَازِ إِقَامَةِ شَرْطٍ آخَرَ مَقَامَهُ ، وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْجَزَاءِ فَيَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ الشَّرْطِ مُطْلَقًا .
وَذَكَرُوا أَنَّ لَهَا مَعَ شَرْطِهَا وَجَوَابِهَا أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ تَتَجَرَّدَ مِنَ النَّفْيِ نَحْوُ : لَوْ جِئْتَنِي لَأَكْرَمْتُكَ ، وَتَدُلُّ حِينَئِذٍ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ ، وَسَمَّوْهَا حَرْفَ وُجُوبٍ لِوُجُوبٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( النِّسَاءِ : 82 ) .
[ ص: 312 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ( التَّوْبَةِ : 46 ) . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=57أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ( الزُّمَرِ : 57 ) ، أَيْ مَا هَدَانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=59بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي ( الزُّمَرِ : 59 ) لِأَنَّ بَلَى جَوَابٌ لِلنَّفْيِ .
وَثَانِيهَا : إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا حَرْفُ النَّفْيِ تُسَمَّى حَرْفَ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ نَحْوُ : لَوْ لَمْ تُكْرِمْنِي لَمْ أُكْرِمْكَ ، فَيَقْتَضِي ثُبُوتَهُمَا لِأَنَّهُمَا لِلِامْتِنَاعِ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِمَا حَرْفُ نَفْيٍ ، سُلِبَ عَنْهُمَا الِامْتِنَاعُ فَحَصَلَ الثُّبُوتُ لِأَنَّ سَلْبَ السَّلْبِ إِيجَابٌ .
ثَالِثُهَا : أَنْ يَقْتَرِنَ حَرْفُ النَّفْيِ بِشَرْطِهَا دُونَ جَوَابِهَا ، وَهِيَ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُوبٍ ، نَحْوُ : لَوْ تُكْرِمْنِي أَكْرَمْتُكَ ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ وَثُبُوتُ الشَّرْطِ .
رَابِعُهَا : عَكْسُهُ وَهُوَ حَرْفُ وُجُوبٍ لِامْتِنَاعٍ ، نَحْوُ : لَوْ جِئْتَنِي لَمْ أُكْرِمْكَ ، فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الْجَزَاءِ وَانْتِفَاءَ الشَّرْطِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=81وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ( الْمَائِدَةِ : 81 ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ لَهَا مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَفْهُومَ الْآيَةِ عَدَمُ نَفَاذِ كَلِمَاتِ اللَّهِ مَعَ فَرْضِ شَجَرِ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَالْبَحْرِ مَمْدُودًا بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ مِدَادًا ، وَلَا يَلْزَمُ أَلَّا يَقَعَ عَدَمُ نَفَاذِ الْكَلِمَاتِ إِذَا لَمْ يَجْعَلِ الشَّجَرَ أَقْلَامًا وَالْبَحْرَ مِدَادًا .
وَكَذَا فِي نِعْمَ الْعَبْدُ
صُهَيْبٌ ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ كَانَ يَقَعُ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَلَّا يَقَعَ عَدَمُ الْعِصْيَانِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ ، وَهَكَذَا الْبَاقِي .
وَأَمَّا فِي تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَهَا بِأَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ ، وَذَكَرَ لَهَا هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْأَرْبَعَةَ فَلَا يَطَّرِدُ ، وَذَلِكَ لِتَخَلُّفِ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ ; وَهُوَ كُلُّ مَوْضُوعٍ دَلَّ الدَّلِيلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ ثَابِتٌ مُطْلَقًا ، إِذْ لَوْ كَانَ مَنْفِيًّا لَكَانَ النَّفَادُ حَاصِلًا ، وَالْعَقْلُ يَجْزِمُ بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ إِذَا لَمْ تَنْفَدْ مَعَ كَثْرَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلِأَنْ لَا تَنْفَدَ مَعَ قِلَّتِهَا وَعَدَمِ بَعْضِهَا أَوْلَى .
[ ص: 313 ] وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ( الْأَنْعَامِ : 111 ) . وَكَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا ( الْأَنْفَالِ : 23 ) فَإِنَّ التَّوَلِّيَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْمَاعِ أَوْلَى .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ فَنَفْيُ الْعِصْيَانِ ثَابِتٌ إِذْ لَوِ انْتَفَى نَفْيُ الْعِصْيَانِ لَزِمَ وَجُودُهُ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي الْمَدْحِ .
وَلَمَّا لَمْ يَطَّرِدْ لَهُمْ هَذَا التَّفْسِيرُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ صِحَّتَهُ ، اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِهَا عَلَى طُرُقٍ .
الْأَوَّلُ : دَعْوَى أَنَّهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَعْنِي الثَّابِتَ فِيهَا الثَّانِي دَائِمًا ، إِنَّمَا جَاءَتْ لِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى ارْتِبَاطِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ ، لَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ ، وَضَابِطُهَا مَا يُقْصَدُ بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مُجَرَّدِ الِارْتِبَاطِ دُونَ امْتِنَاعِ كُلِّ مَوْضِعٍ قُصِدَ فِيهِ ثُبُوتُ شَيْءٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَيُرْبَطُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِوُجُودِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ لِوُجُودِهِ دَائِمًا ، ثُمَّ لَا يُذْكَرُ إِذْ ذَاكَ إِلَّا النَّقِيضُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى تَقْدِيرِ وَجُودِهِ ، عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ النَّقِيضِ الْآخَرِ فَعَدَمُ النَّفَادِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَاقِعٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا ، وَكَوْنِ الْبَحْرِ مَدَّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ، فَعَدَمُ النَّفَادِ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ كَوْنِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى ، وَكَذَا عَدَمُ عِصْيَانِ صُهَيْبٍ وَاقِعٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ خَوْفِهِ ، فَعَدَمُ عِصْيَانِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْخَوْفِ أَوْلَى . وَعَلَى هَذَا يَتَقَرَّرُ جَمِيعُ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا تُفِيدُ امْتِنَاعَ الشَّرْطِ كَمَا سَبَقَ مِنَ الْآيَاتِ الشَّرِيفَةِ ، وَتَحَصَّلَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : امْتِنَاعُ شَرْطِهَا ، وَالْآخَرُ كَوْنُهُ مُسْتَلْزِمًا لِجَوَابِهَا ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَوَابِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا ثُبُوتِهِ ، فَإِذَا قُلْتَ : لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَقَامَ عَمْرٌو ، فَقِيَامُ زَيْدٍ مَحْكُومٌ بِانْتِفَائِهِ
[ ص: 314 ] فِيمَا مَضَى ، وَبِكَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتَهُ لِثُبُوتِ قِيَامِ عَمْرٍو ، وَهَلْ لِقِيَامِ عَمْرٍو وَقْتٌ آخَرُ غَيْرَ اللَّازِمِ عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ ؟ لَا يُعْرَضُ فِي الْكَلَامِ لِذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ كَوْنُ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ غَيْرَ وَاقِعَيْنِ .
وَقَدْ سَلَبَ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الدَّلَالَةَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مُطْلَقًا ، وَجَعَلَهَا لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا ( الْأَنْفَالِ : 23 ) قَالَ : فَلَوْ أَفَادَتْ " لَوِ " انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ ، لَأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَا عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا وَمَا أَسْمَعَهُمْ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَسْمَعَهُمْ وَلَا تَوَلَّوْا ، لَكِنَّ عَدَمَ التَّوَلِّي خَيْرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَمَا عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا . قَالَ : فَعَلِمْنَا أَنَّ كَلِمَةَ " لَوْ " لَا تُفِيدُ إِلَّا الرَّبْطَ . هَذَا كَلَامُهُ .
وَقَدْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ : " إِنَّ عَدَمَ التَّوَلِّي خَيْرٌ " فَإِنَّ الْخَيْرَ إِنَّمَا هُوَ عَدَمُ التَّوَلِّي ، بِتَقْدِيرِ حُصُولِ الْإِسْمَاعِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْإِسْمَاعَ لَمْ يَحْصُلْ ، فَلَا يَكُونُ عَدَمُ التَّوَلِّي عَلَى الْإِطْلَاقِ خَيْرًا ، بَلْ عَدَمُ التَّوَلِّي الْمُرَتَّبِ عَلَى الْإِسْمَاعِ .
الطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُمْ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ ، مَعْنَاهُ أَنَّ مَا كَانَ جَوَابًا لَهَا كَانَ يَقَعُ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ ، فَلَمَّا امْتَنَعَ الْأَوَّلُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَاقِعًا لِوُقُوعِهِ ، فَإِنْ وَقَعَ فَلِأَمْرٍ آخَرَ ، وَذَلِكَ لَا يُنْكَرُ فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ عَمْرٍو الَّذِي كَانَ يَقَعُ مِنْهُ لَوْ وَقَعَ قِيَامُ زَيْدٍ ، لَا عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ عَمْرٍو لِسَبَبٍ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ ، امْتَنَعَ عَدَمُ الْعِصْيَانِ الَّذِي كَانَ سَيَقَعُ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ لَوْ وَقَعَ ، وَلَا يَلْزَمُ امْتِنَاعُ عَدَمِ الْعِصْيَانِ عِنْدَ وُجُودِ الْخَوْفِ .
الثَّالِثُ : أَنْ تُحْمَلَ " لَوْ " فِيمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مَحْذُوفَةُ الْجَوَابِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=26وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ( لُقْمَانَ : 27 ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ
[ ص: 315 ] هَذَا لَتَكَسَّرَتِ الْأَشْجَارُ ، وَفَنِيَ الْمِدَادُ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ : ( مَا نَفِدَتْ ) مُسْتَأْنَفٌ أَوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ ، أَيْ وَمَا نَفِدَتْ .
الرَّابِعُ : أَنْ تُحْمَلَ " لَوْ " فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى الَّتِي بِمَعْنَى إِنَّ ، قَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ : " لَوْ " أَصْلُهَا فِي الْكَلَامِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى وُقُوعِ الشَّيْءِ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ ، تَقُولُ : لَوْ جِئْتَنِي لَأَعْطَيْتُكَ . وَلَوْ كَانَ زَيْدٌ هُنَاكَ لَضَرَبْتُكَ ، ثُمَّ تَتَّسِعَ فَتَصِيرَ فِي مَعْنَى " إِنِ " الْوَاقِعَةِ لِلْجَزَاءِ ، تَقُولُ : أَنْتَ لَا تُكْرِمُنِي وَلَوْ أَكْرَمْتُكَ ، تُرِيدُ وَإِنْ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ( يُوسُفَ : 17 ) .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ( آلِ عِمْرَانَ : 71 ) تَأْوِيلُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ : لَا يُقْبَلُ أَنْ يَتَبَرَّرَ بِهِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى الْكُفْرِ ، وَلَا يُقْبَلُ وَإِنِ افْتَدَى بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَسُوغُ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ ( إِنْ ) الشَّرْطِيَّةَ لَا يَلِيهَا إِلَّا الْفِعْلُ ، وَأَنَّ الْمُشَدَّدَةُ مَعَ مَا عَمِلَتْ فِيهِ اسْمٌ ، فَإِذَا كَانَتْ " لَوْ " بِمَنْزِلَةِ " إِنَّ " فَيَنْبَغِي أَلَّا تَلِيَهَا .
أَجَابَ
الصَّفَّارُ : بِأَنَّهُ قَدْ يَلِي " أَنَّ " الِاسْمُ فِي اللَّفْظِ ، فَأَجَازَ ذَلِكَ فِي إِنْ نَفْسِهَا ، فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ فِي " لَوِ " الْمَحْمُولَةِ عَلَيْهَا ، وَكَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي لَوْ قَبْلَ خُرُوجِهَا إِلَى الشَّرْطِ ، مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْحُرُوفِ الطَّالِبَةِ لِلْأَفْعَالِ .
قَالَ : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ " لَوْ " فِي الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِمَعْنَى " إِنَّ " أَنَّ الْمَاضِيَ بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلَوِ الِامْتِنَاعِيَّةُ تَصْرِفُ مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ إِلَى الْمَاضِي ، فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ يَفْتَدِ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا تَقْتَضِي امْتِنَاعَ مَا يَلِيهَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْكَذِبِ .
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا بِمَعْنَى " إِنْ " ، وَالثَّانِي قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ إِنَّهُ عَلَى الْفَرْضِ ، أَيْ وَلَوْ كُنَّا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ عِنْدَكَ .
[ ص: 316 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِيمَا أَفْرَدَهُ عَلَى سُورَةِ الْحُجُرَاتِ : " لَوْ " تَدْخُلُ عَلَى جُمْلَتَيْنِ فِعْلِيَّتَيْنِ تَعَلَّقَ مَا بَيْنَهُمَا بِالْأُولَى تَعَلُّقَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مُخَلَّصَةً بِالشَّرْطِ كَـ " إِنْ " وَلَا عَامِلَةً مِثْلَهَا .
وَإِنَّمَا سَرَى فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ اتِّفَاقًا مِنْ حَيْثُ إِفَادَتِهَا فِي مَضْمُونَيْ جُمْلَتِهَا . أَنَّ الثَّانِيَ امْتَنَعَ لِامْتِنَاعِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ أَنْ تَكْسُوَ النَّاسَ فَيُقَالُ لَكَ : هَلَّا كَسَوْتَ زَيْدًا ، فَتَقُولُ : لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَكَسَوْتُهُ ، افْتَقَرَتْ فِي جَوَابِهَا إِلَى مَا يَنْصِبُ عَلَمًا عَلَى التَّعْلِيقِ ، فَزِيدَتِ اللَّامُ ، وَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ " إِنْ " لِعَمَلِهَا فِي فِعْلِهَا ، وَخُلُوصِهَا لِلشَّرْطِ .
وَيَتَعَلَّقُ بِـ " لَوِ " الِامْتِنَاعِيَّةِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى : إِنَّهَا كَالشَّرْطِيَّةِ فِي اخْتِصَاصِهَا بِالْفِعْلِ ، فَلَا يَلِيهَا إِلَّا فِعْلٌ أَوْ مَعْمُولُ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ ظَاهِرٌ بَعْدَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=100قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ( الْإِسْرَاءِ : 100 ) حُذِفَ الْفِعْلُ فَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ . وَانْفَرَدَتْ " لَوْ " بِمُبَاشَرَةِ " أَنَّ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=5وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ ( الْحُجُرَاتِ : 5 ) وَهُوَ كَثِيرٌ .
وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ " أَنَّ " بَعْدَ " لَوْ " فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْخَبَرِ فَقِيلَ مَحْذُوفٌ ، وَقِيلَ : لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ : وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ ، وَهُوَ أَقْيَسُ لِبَقَاءِ الِاخْتِصَاصِ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجِبُ كَوْنُ خَبَرِ " أَنَّ " الْوَاقِعَةِ بَعْدَ " لَوْ " فِعْلًا ، لِيَكُونَ عِوَضًا عَنِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ .
وَقَالَ
أَبُو حَيَّانَ : هُوَ وَهْمٌ وَخَطَأٌ فَاحِشٌ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ
[ ص: 317 ] وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ( لُقْمَانَ : 27 ) وَكَذَا رَدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ بِالْآيَةِ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا ذَاكَ فِي الْخَبَرِ الْمُشْتَقِّ ، لَا الْجَامِدِ كَالَّذِي فِي الْآيَةِ .
وَأَيَّدَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ ( لُقْمَانَ : 27 ) لَمَّا الْتَبَسَ بِالْعَطْفِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ صَارَ خَبَرُ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ ، وَهُوَ " يَمُدُّهُ " كَأَنَّهُ خَبَرُ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا لِالْتِبَاسِهَا بِهَا .
قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " : وَقَدْ وَجَدْتُ آيَةً فِي التَّنْزِيلِ وَقَعَ فِيهَا الْخَبَرُ اسْمًا مُشْتَقًّا وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، كَمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لِآيَةِ
لُقْمَانَ ، وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِلَّا لَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ .
قُلْتُ : وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ " لَوْ " فِي الْآيَةِ لِلتَّمَنِّي ، وَالْكَلَامُ فِي الِامْتِنَاعِيَّةِ ، بَلْ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَقَالَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ سَبَقَهُ إِلَيْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14551السِّيرَافِيُّ . وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ وَمَا اسْتُدْرِكَ بِهِ
[ ص: 318 ] مَنْقُولٌ قَدِيمًا فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ
لِابْنِ الْخَبَّازِ ، لَكِنْ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ ، فَقَالَ فِي بَابِ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14551السِّيرَافِيُّ : تَقُولُ : لَوْ أَنَّ زَيْدًا أَقَامَ لَأَكْرَمْتُهُ ، وَلَا تَجُوزُ : لَوْ أَنَّ زَيْدًا حَاضِرٌ لَأَكْرَمْتُهُ ، لِأَنَّكَ لَمْ تَلْفُظْ بِفِعْلٍ يَسُدُّ مَسَدَّ ذَلِكَ الْفِعْلِ .
هَذَا كَلَامُهُمْ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=20وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ( الْأَحْزَابِ : 20 ) فَأُوقِعَ خَبَرُهَا صِفَةً . وَلَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ هَذِهِ لِلتَّمَنِّي ، فَأُجْرِيَتْ مَجْرَى " لَيْتَ " كَمَا تَقُولُ : لَيْتَهُمْ بَادُونَ . انْتَهَى كَلَامُهُ .
تَنْبِيهٌ
ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ سُؤَالًا ، وَهُوَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَكَسَوْتُهُ ، وَنَظِيرِهِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=4لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى ( الزُّمَرِ : 4 ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : لَوْ زَيْدٌ جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=100قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ( الْإِسْرَاءِ : 100 ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : لَوْ أَنَّ زَيْدًا جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=5وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا ( الْحُجُرَاتِ : 5 ) .
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأُولَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ تَعْلِيقُ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ لَا غَيْرَ ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّعْلِيقِ السَّاذَجِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ ، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى ، لِأَنَّ الْغَرَضَ نَفْيُ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ، وَبَيَانُ تَعَالِيهِ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِأَدَاءِ هَذَا الْغَرَضِ إِلَّا تَجْدِيدُ الْفِعْلَيْنِ لِلتَّعَلُّقِ ، دُونَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَقَدِ انْضَمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ ، إِمَّا نَفْيُ الشَّكِّ أَوِ الشُّبْهَةِ ، أَنَّ الْمَذْكُورَ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ مَكْسُوٌّ لَا مَحَالَةَ لَوْ وَجَدَ مِنْهُ الْمَجِيءَ وَلَمْ يَمْتَنِعْ ، وَإِمَّا بَيَانُ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=100قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ ( الْإِسْرَاءِ : 100 ) مُحْتَمِلٌ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا ، أَعْنِي أَنَّهُمْ لَا مَحَالَةَ يَمْلِكُونَ ، وَأَنَّهُمُ الْمَخْصُوصُونَ بِالْإِمْسَاكِ لَوْ مَلَكُوا ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْإِلَهَ الَّذِي هُوَ مَالِكُهَا ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ لَا يُمْسَكُ .
[ ص: 319 ] فَإِنْ قُلْتَ : " لَوْ " لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ ، وَ " أَنْتُمْ " لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَلَكِنَّ بِـ " تَمْلِكُ " مُضْمَرًا ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ " لَوْ تَمْلِكُونَ " ، وَبَيْنَ " لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ " لِمَكَانِ الْقَصْدِ إِلَى الْفِعْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ هَذَا الْفَرْقُ لَوِ ارْتَفَعَ بِالِابْتِدَاءِ .
قُلْتُ : التَّقْدِيرُ وَإِنْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَمْثِيلًا لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ ، يُنَزَّلُ الِاسْمُ فِي الظَّاهِرِ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ ، بِدَلِيلِ " لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْنِي " فِي ظُهُورِ قَصْدِهِمْ إِلَى الِاسْمِ ، لَكِنَّهُ أَهَمُّ فِيمَا سَاقَهُ الْمَثَلُ لِأَجْلِهِ .
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ( التَّوْبَةِ : 6 ) وَإِنْ كَانَ " أَحَدٌ " مَرْفُوعًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ فِي التَّقْدِيرِ .
وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ ، فَفِيهِ مَا فِي الثَّانِي مَعَ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ الَّذِي تُعْطِيهِ " أَنَّ " وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجِيءَ ، وَأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْمَجِيءَ قَدْ أَغْفَلَ حَظَّهُ ، فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ وَقِسْ عَلَيْهَا نَظَائِرَ التَّرَاكِيبِ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ ، فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ .
الثَّالِثَةُ : الْأَكْثَرُ فِي جَوَابِهَا الْمُثْبَتِ اللَّامُ الْمَفْتُوحَةُ ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ هُوَ اللَّازِمُ لِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ " لَوْ " قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ( الْأَنْبِيَاءِ : 22 ) فَفِي اللَّامِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَازِمَةٌ لِلْأُولَى .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ( الْوَاقِعَةِ : 65 ) وَيَجُوزُ حَذْفُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا ( الْوَاقِعَةِ : 70 ) .
الرَّابِعَةُ : يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِهَا لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِلتَّعْظِيمِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ( هُودٍ : 80 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ( الرَّعْدِ : 31 ) وَهُوَ كَثِيرٌ ، سَبَقَ فِي بَابِ الْحَذْفِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْبَحْثِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ( لُقْمَانَ : 27 ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ " لَوْ " مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ : لَنَفِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ، وَمَا
[ ص: 320 ] نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَا نَفِدَتْ هُوَ الْجَوَابَ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ النَّفَادِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ نَفْيُ النَّفَادِ لَازِمًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا وَالْبَحْرِ مِدَادًا كَانَ لُزُومُهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا أَوْلَى .
وَقِيلَ : تُقَدَّرُ هِيَ وَجَوَابُهَا ظَاهِرًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ( الْمُؤْمِنُونَ : 91 ) تَقْدِيرُهُ : وَلَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ( الْعَنْكَبُوتِ : 48 ) أَيْ وَلَوْ يَكُونُ وَخَطَطْتَ ، إِذَنْ لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : مِنْ أَوْجُهِ " لَوْ " أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً ، وَعَلَامَتُهَا أَنْ يَصْلُحَ مَوْضِعَهَا " إِنِ " الْمَكْسُورَةُ ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَهَا ، لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعْنَى الشَّرْطِ ، وَهِيَ مِثْلُهَا فَيَلِيهَا الْمُسْتَقْبَلُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=52وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ( الْأَحْزَابِ : 52 )
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا ( يس : 66 ) .
وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا لَفْظًا صَرَفَهُ لِلِاسْتِقْبَالِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( التَّوْبَةِ : 33 ) .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ( يُوسُفَ : 17 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ( النِّسَاءِ : 9 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ( آلِ عِمْرَانَ : 91 ) وَنَظَائِرُهُ .
قَالُوا : وَلَوْلَا أَنَّهَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ لَمَا اقْتَضَتْ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جَوَابٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُضْمَرٍ ، وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ : إِنَّ تَأْوِيلَهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ : لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يُفْتَدَى بِهِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يُقْبَلُ إِنِ افْتَدَى بِهِ .
قَالُوا : وَجَوَابُهَا يَكُونُ مَاضِيًا لَفْظًا كَمَا سَبَقَ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ( فَاطِرٍ : 14 ) وَمَعْنًى ، وَيَكُونُ بِاللَّامِ غَالِبًا ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ( الْبَقَرَةِ : 20 ) .
وَقَدْ يُحْذَفُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا ( الْوَاقِعَةِ : 70 ) وَلَا يُحْذَفُ غَالِبًا إِلَّا فِي صِلَةٍ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا ( النِّسَاءِ : 9 ) الْآيَةَ .
[ ص: 321 ] الثَّالِثُ : لَوِ الْمَصْدَرِيَّةُ ، وَعَلَامَتُهَا أَنْ يَصْلُحَ مَوْضِعَهَا " أَنِ " الْمَفْتُوحَةُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=96يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ( الْبَقَرَةِ : 96 ) .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 109 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ ( النِّسَاءِ : 102 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=11يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي ( الْمَعَارِجِ : 11 ) أَيِ الِافْتِدَاءَ .
وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ مَصْدَرِيَّةَ " لَوْ " وَتَأَوَّلُوا الْآيَاتِ الشَّرِيفَةَ عَلَى حَذْفِ مَفْعُولِ " يَوَدُّ " ، وَحَذْفِ جَوَابِ " لَوْ " ، أَيْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ طُولَ الْعُمْرِ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ لِيُسَرَّ بِذَلِكَ .
وَأُشْكِلَ قَوْلُ الْأَوَّلِينَ بِدُخُولِهَا عَلَى " أَنَّ " الْمَصْدَرِيَّةِ ، فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ( آلِ عِمْرَانَ : 30 ) وَالْحَرْفُ الْمَصْدَرِيُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى مِثْلِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ : يَوَدُّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ بَيْنَهَا ، فَانْتَفَتْ مُبَاشَرَةُ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ لِمِثْلِهِ .
وَأَوْرَدَ
ابْنُ مَالِكٍ السُّؤَالَ فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ( الشُّعَرَاءِ : 102 ) وَأَجَابَ بِهَذَا ، وَبِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَوْكِيدِ اللَّفْظِ بِمُرَادِفِهِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31فِجَاجًا سُبُلًا ( الْأَنْبِيَاءِ : 31 ) .
وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَظَرٌ ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ دُخُولُ " لَوْ " عَلَى " ثَبَتَ " مُقَدَّرًا ، إِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدِ ، وَهُوَ لَا يَرَاهُ فَكَيْفَ يُقَرِّرُهُ فِي الْجَوَابِ .
وَأَمَّا الثَّانِي ، فَلَيْسَتْ هُنَا مَصْدَرِيَّةً بَلْ لِلتَّمَنِّي كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَوْ سَلِمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَصْلُ لَوْ بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ بِـ " أَنَّ " . وَقَدْ نَصَّ
ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ ، عَلَى أَنَّ صِلَتَهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِعْلِيَّةً بِمَاضٍ أَوْ مُضَارِعٍ .
قَالَ
ابْنُ مَالِكٍ : وَأَكْثَرُ وُقُوعِ هَذِهِ بَعْدَ " وَدَّ " أَوْ " يَوَدُّ " أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ مُفْهِمٍ
[ ص: 322 ] تَمَنٍّ . وَبِهَذَا يُعْلَمُ غَلَطُ مَنْ عَدَّهَا حَرْفَ تَمَنٍّ ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فِعْلِ تَمَنٍّ ، كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ لَيْتَ وَفِعْلِ تَمَنٍّ .
الرَّابِعُ : لَوِ الَّتِي لِلتَّمَنِّي ، وَعَلَامَتُهَا أَنْ يَصِحَّ مَوْضِعَهَا " لَيْتَ " ، نَحْوُ : لَوْ تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُنَا ، كَمَا تَقُولُ : لَيْتَكَ تَأْتِينَا فَتَحَدِّثُنَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ( الشُّعَرَاءِ : 102 ) وَلِهَذَا نُصِبَ فَيَكُونُ فِي جَوَابِهَا ، لِأَنَّهَا أَفْهَمَتِ التَّمَنِّيَ ، كَمَا انْتَصَبَ " فَأَفُوزَ " ( النِّسَاءِ : 73 ) فِي جَوَابِ لَيْتَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ ( النِّسَاءِ : 73 ) . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قِسْمًا آخَرَ وَهُوَ التَّعْلِيلُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ( النِّسَاءِ : 135 ) .