فيه قواعد :
- ( الأولى ) إذا أضيف إلى جنسه لم يكن بعضه ، كقولك : زيد أشجع الأسود ، وأجود السحب ، فيصير المعنى : زيد أشجع من الأسود ، وأجود من السحب ، وعليه قوله تعالى : ( خير الرازقين ) ( الجمعة : 11 ) و ( أحكم الحاكمين ) ( هود : 45 ) و ( أحسن الخالقين ) ( المؤمنون : 14 ) . أي خير من كل من تسمى برازق ، وأحكم من كل من تسمى بحاكم ، كذا قاله أبو القاسم السعدي .
قال الشيخ أثير الدين : الذي تقرر عن الشيوخ أن " أفعل " هذه لا تضاف إلا ويكون المضاف بعض المضاف إليه ، فلا يقال : هذا الفرس أسبق الحمير ، لأنه ليس بعض الحمير ، وعلى هذا بنى البصريون منع " زيد أفضل إخوته " ، وأجازوا " أفضل الإخوة " ، إلا إذا أخرجت عن معناها ، فإنه قد يجوز ذلك عن بعضهم .
- ( الثانية ) : إذا ذكر بعد " أفعل " جنسه ، أو واحد من آحاد جنسه ، وجب إضافته إليه ، كقولك : زيد أحسن الرجال ، وأحسن رجل قال تعالى : . . . . ، وإذا ذكر بعد ما هو من متعلقاته ، وجب نصبه على التمييز ، نحو : زيد أحسن وجها ، وأغزر علما .
[ ص: 149 ] وقد أشكل على هذه القاعدة قوله تعالى : ( أو أشد خشية ) ( النساء : 77 ) وقوله : ( أزكى طعاما ) ( الكهف : 19 ) فقد أضيف إلى غير جنسه وانتصب . وقد تأول العلماء هذا حتى رجعوا به إلى جعل " أشد " لغير الخشية ، فقال : معنى ( الزمخشري يخشون الناس كخشية الله ) ( النساء : 77 ) ، " أي مثل أهل خشية الله ، أو مثل قوم أشد خشية من أهل خشية الله . قال : وعلى مثل هذا يحمل ما خالف هذه القاعدة . ابن الحاجب
- ( الثالثة ) : الأصل فيه الأفضلية على ما أضيف إليه ، وأشكل على ذلك قوله تعالى : ( وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ) ( الزخرف : 48 ) لأن معناه : ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كل واحدة منها فيكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة .
وأجاب بأن الغرض وصفهن بالكبر من غير تفاوت فيه ، وكذلك العادة في الأشياء التي تتفاوت في الفضل التفاوت اليسير ، أن تختلف آراء الناس في تفضيلها ، وربما اختلف آراء الواحد فيها ، كقول الزمخشري الحماسي :
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يهدى بها الساري
وأجاب بأن المراد الأعلى أكبر من أختها عندهم ، وقت حصولها لأن لمشاهدة الآية في النفس أثرا عظيما ليس للغائب عنها . ابن الحاجب
- ( الرابعة ) قالوا : لا ينبني من العاهات ، فلا يقال : ما أعور هذه الفرس ! وأما قوله تعالى : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ) ( الإسراء : 72 ) ففيه وجهان :
[ ص: 150 ] - أحدهما أنه من عمى القلب الذي يتولد من الضلالة ، وهو ما يقبل الزيادة والنقص ، لا من عمى البصر الذي يحجب المرئيات عنه . وقد صرح ببيان هذا المعنى قوله تعالى : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ( الحج : 46 ) وعلى هذا فالأول اسم فاعل ، والثاني أفعل تفضيل من فقد البصيرة .
- والثاني أنه من عمى العين ، والمعنى من كان في هذه أعمى من الكفار ، فإنه يحشر أعمى ، فلا يكون " أفعل تفضيل " . ومنهم من حمل الأول على أنه عمى القلب ، والثاني على فقد البصيرة ، وإليه ذهب أبو عمرو ، فأمال الأول ، وترك الإمالة في الثاني ، لما كان اسما ، والاسم أبعد من الإمالة .
- الخامسة : يكثر حذف المفضول إذا دل عليه دليل ، وكان أفعل خبرا كقوله تعالى : ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ( البقرة : 61 ) . ( ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ) ( البقرة : 282 ) . ( والله أعلم بما وضعت ) ( آل عمران : 36 ) . ( وما تخفي صدورهم أكبر ) ( آل عمران : 36 ) . ( إنما عند الله هو خير لكم ) ( النحل : 95 ) . ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ( الكهف : 46 ) . ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) ( مريم : 73 ) . ( فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ) ( مريم : 75 ) .
وقد يحذف المفضول وأفعل ليس بخبر ، كقوله تعالى : ( فإنه يعلم السر وأخفى ) ( طه : 7 ) .
- ( السادسة ) : قد يجيء مجردا من معنى التفضيل ، فيكون للتفضيل لا للأفضلية . ثم هو تارة يجيء مؤولا باسم الفاعل ، كقوله تعالى : ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) ( النجم : 32 ) . ومؤولا بصفة مشبهة كقوله تعالى : ( وهو أهون عليه ) ( الروم : 27 ) . فـ " أعلم " ههنا بمعنى " عالم بكم " ، إذ لا مشارك لله تعالى في علمه بذلك ، " وأهون عليه " بمعنى هين ، إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تعالى .
[ ص: 151 ] وقوله تعالى : ( أفمن يلقى في النار خير ) ( فصلت : 40 ) . وقوله : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ) ( الفرقان : 24 ) ثم المشهور في هذا التزام الإفراد والتذكير ، إذا كان ما هو له مجموعا لفظا ومعنى كقوله تعالى : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) ( الفرقان : 24 ) . أو لفظا لا معنى ، كقوله تعالى : ( نحن أعلم بما يستمعون به ) ( الإسراء : 47 ) و ( نحن أعلم بما يقولون ) ( طه : 104 ) .
وأما قوله تعالى : ( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) ( الحج : 13 ) فمعناه الضرر بعبادته أقرب من النفع بها . فإن قيل : كيف قال : ( أقرب من نفعه ) ( الحج : 13 ) ولا نفع من قبله ألبتة ؟
قيل : لما كان في قوله : ( لمن ضره أقرب من نفعه ) تبعيد لنفعه ، والعرب تقول لما لم يصح في اعتقادهم بكونه . " هذا بعيد " جاز الإخبار بـ " بعد " نفع الوثن ، والشاهد له قوله تعالى حكاية عنهم : ( أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ) ( ق : 3 ) .
- ( السابعة ) " : أفعل " في الكلام على ثلاثة أضرب
1 - مضاف كقوله تعالى : ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) ( التين : 8 ) .
2 - ومعرف باللام نحو : ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( الأعلى : 1 ) و ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) ( المنافقون : 8 ) .
3 - وخال منهما ، ويلزم اتصاله بـ " من " التي لابتداء الغاية جارة للمفضل عليه ، كقوله تعالى : ( أنا أكثر منك مالا ) ( الكهف : 34 ) .
وقد يستغنى بتقديرها عن ذكرها كقوله تعالى : ( وأعز نفرا ) ( الكهف : 34 ) . ويكثر ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا كقوله : ( والآخرة خير وأبقى ) ( الأعلى : 17 ) . وحيث أضيف إنما يضاف إلى جمع معرف ، نحو : " أحكم الحاكمين " ، ولا يجوز [ ص: 152 ] " زيد أفضل رجل " ، ولا " أفضل رجال " ، لأنه لا فائدة فيه ، لأن كل شخص لا بد أن يكون له جماعة مجهولة يفضلها ، وإنما الفائدة في أن تقول : " أفضل الرجال " .
فأما قوله تعالى : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) ( التين : 5 ) فجوابه أنه غير مضاف إليه تقديرا ، بل المضاف إليه محذوف ، وقامت صفته مقامه ، وكأنه قال : " أسفل قوم سافلين " ، ولا خلاف فيه أنه يضاف إلى اسم الجمع معرفا ومنكرا ، نحو : أفضل الناس والقوم ، وأفضل ناس وأفضل قوم .
فإن قيل : لم أجازوا تنكير هذا ولم يجيزوا تكرر ذلك في الجمع ؟
قلت : لأن " أفضل القوم " ليس من ألفاظ الجموع ، بل من الألفاظ المفردة ، فخففوه بترك الألف واللام الثانية ، إذا كان " أفعل " بالألف واللام ، أو مضافا جاز تثنيته وجمعه قال تعالى : ( واتبعك الأرذلون ) ( الشعراء : 111 ) و ( بالأخسرين أعمالا ) ( الكهف : 103 ) .
وقال في المفرد : ( إذ انبعث أشقاها ) ( الشمس : 12 ) .
وقال في الجمع : ( أكابر مجرميها ) ( الأنعام : 123 ) و ( إلا الذين هم أراذلنا ) ( هود : 27 ) . وتقول في المؤنث " هذه الفضلى " قال تعالى : ( إنها لإحدى الكبر ) ( المدثر : 35 ) ، ( فأولئك لهم الدرجات العلا ) ( طه : 75 ) .
وحكم " فعلى " حكم " أفعل " لا يستعمل بغير " من " إلا مضافا أو معرفا بأل . وأما قوله : ( وأخر متشابهات ) ( آل عمران : 7 ) فقالوا : إنه على تقدير " من " أي وأخر منها متشابهات