[ ص: 471 ] تنبيهان
الأول : هذا القسم يشبه الاستعارة في بعض المواضع ، والفرق بينهما - كما قاله حازم وغيره - أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها ، والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك ؛ لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه .
وقال الرماني في قوله تعالى : وآتينا ثمود الناقة مبصرة ( الإسراء : 59 ) أي : تبصرة ؛ لأنه لا يجوز تقدير حرف التشبيه فيها .
وقد اختلف البيانيون في نحو قوله تعالى : صم بكم عمي ( البقرة : 18 ) إنه تشبيه بليغ أو استعارة ؟ والمحققون كما قاله على الأول ، قال : لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون ، أي : مذكور في تقدير الآية ، والاستعارة لا يذكر فيها المستعار له ، ويجعل الكلام خلوا عنه ، بحيث يصلح لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه ، لولا القرينة ، ومن ثم ترى المفلقين السحرة منهم كأنهم يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا . الزمخشري
وقال السكاكي : لأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه ، وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة ، فلا يجوز أن يكون استعارة .
الثاني إذ لو لم يرد معنى ولم يكن منويا كان استعارة . قد يترك التشبيه لفظا ويراد معنى ،
مثاله قوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( البقرة : 187 ) فهذا تشبيه لا استعارة ، لذكر الطرفين : الخيط الأسود ، وهو ما يمتد من غسق الليل [ ص: 472 ] شبيها بخيط أسود وأبيض ، وبينا بقوله : من الفجر والفجر - وإن كان بيانا للخيط الأبيض - لكن لما كان أحدهما بيانا للآخر لدلالته عليه اكتفي به عنه ، ولولا البيان كان من باب الاستعارة ، كما أن قولك : رأيت أسدا ، استعارة ، فإذا زدت : من فلان ، صار تشبيها ، وأما أنه لم زيد من الفجر حتى صار تشبيها ؟ وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ ؟ فلأن شرط الاستعارة أن يدل عليه الحال . ولو لم يذكر من الفجر لم يعلم أن الخيطين مستعاران من " بدا الفجر " فصار تشبيها .