القسم السادس والعشرون والأكثرون ينكرون إطلاق هذه العبارة في كتاب الله ويسمونه التأكيد ، ومنهم من يسميه بالصلة ، ومنهم من يسميه المقحم . الزيادة
قال : " كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى ، وبابها الحروف والأفعال . ابن جني
[ ص: 148 ] كقوله تعالى : فبما نقضهم ميثاقهم ( المائدة : 13 ) فبما رحمة من الله ( آل عمران : 159 ) .
وقوله : قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ( مريم : 29 ) قيل : كان هاهنا زائدة ، وإلا لم يكن فيه إعجاز ; لأن الرجال كلهم كانوا في المهد ، وانتصب صبيا على الحال .
وقال ابن عصفور : هي في كلامهم زيدت في وسط الكلام للتأكيد ، وهي مؤكدة للماضي في قالوا .
ومنه زيادة " أصبح " قال حازم : " إن كان الأمر الذي ذكر أنه أصبح فيه يكن أمسى فيه ، فليست زائدة ، وإلا فهي زائدة ; كقولك : " أصبح العسل حلوا " .
وأجاب الرماني عن قوله : ( فأصبحوا خاسرين ) ( المائدة : 53 ) ، " فإن العادة أن من به علة تزاد عليه بالليل يرجو الفرج عند الصباح ، فاستعمل " أصبح " ; لأن الخسران جعل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج ، فليست زائدة .
وهو معنى قول غيره : إنها تأتي للدوام واستمرار الصفة ، كقوله تعالى : فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ( الأحقاف : 25 ) وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ( القصص : 82 ) .
وأما قوله تعالى : ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( النحل : 58 ) فهو على الأصل لظهور الصفة نهارا ، والمراد الدوام أيضا ، أي : استقرت له الصفة نهاره .
واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين ، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين ، [ ص: 149 ] قال عقب قوله تعالى : ( فبما نقضهم ) ( النساء : 155 ) إن " ما " لغو لأنها لم تحدث شيئا . سيبويه
والأولى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى ، فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى ، فإن قوله : فبما رحمة من الله لنت لهم ( آل عمران : 159 ) معناه " ما لنت لهم إلا رحمة " وهذا قد جمع نفيا وإثباتا ، ثم اختصر على هذه الإرادة ، وجمع فيه بين لفظي الإثبات وأداة النفي التي هي " ما " .
وكذا قوله تعالى : ( إنما الله إله واحد ) ( النساء : 171 ) ، فـ " إنما " هاهنا حرف تحقيق وتمحيق ، إن هنا للتحقيق ، وما للتمحيق فاختصر ، والأصل : " ما الله اثنان فصاعدا ، وأنه إله واحد " .
وقد اختلف في ; فمنهم من أنكره ، قال وقوع الزائد في القرآن في " العمدة " : " زعم الطرطوشي المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن ، والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن ، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره فذكر كثيرا " .
وقال ابن الخباز في " التوجيه " : " وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد ; لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد .
ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم ; وهو أفسد الطرق .
وقد رد على قوله : إن المحققين على أن المهمل لا يقع في كلام [ ص: 150 ] الله سبحانه ، فأما في قوله تعالى : فخر الدين الرازي فبما رحمة من الله ( آل عمران : 159 ) فيمكن أن تكون استفهامية للتعجب ، والتقدير : " فبأي رحمة " فجعل الزائد مهملا ، وليس كذلك ; لأن الزائد ما أتي به لغرض التقوية والتوكيد ، والمهمل ما لم تضعه العرب ، وهو ضد المستعمل ، وليس المراد من الزيادة [ ما أتى ] ، حيث ذكرها النحويون إهمال اللفظ ، ولا كونه لغوا فتحتاج إلى التنكب عن التعبير بها إلى غيرها ; فإنهم إنما سموا " ما " زائدة هنا لجواز تعدي العامل قبلها إلى ما بعدها ، لا لأنها ليس لها معنى .
وأما ما قاله في الآية : إنها للاستفهام التعجبي ، فقد انتقد عليه بأن قيل : تقديره " فبأي رحمة " دليل على أنه جعل " ما " مضافة للرحمة ، وأسماء الاستفهام التعجبي لا يضاف منها غير " أي " ; وإذا لم تصح الإضافة كان ما بعدها بدلا منها ، والمبدل من اسم الاستفهام يجب معه ذكر همزة الاستفهام ، وليست الهمزة مذكورة ; فدل على بطلان هذه الدعوى ; وسنبين في فصل زيادة الحروف الفائدة في إدخال " ما " هاهنا فانظر هناك .