[ ص: 361 ] فائدة
nindex.php?page=treesubj&link=28879السور : قال
القتيبي : السورة تهمز ولا تهمز ، فمن همزها جعلها من " أسأرت " ، أي : أفضلت من السؤر ، وهو ما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة من القرآن ، ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدم وسهل همزتها .
ومنهم من شبهها بسور البناء ، أي : القطعة منه ، أي : منزلة بعد منزلة .
وقيل : من سور المدينة لإحاطتها بآياتها ، واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ، ومنه السوار لإحاطته بالساعد ، وعلى هذا فالواو أصلية .
ويحتمل أن تكون من السورة بمعنى المرتبة ; لأن الآيات مرتبة في كل سورة ترتيبا مناسبا ، وفي ذلك حجة لمن تتبع الآيات بالمناسبات .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في " شرح منهوكة
nindex.php?page=showalam&ids=12185أبي نواس " : إنما سميت سورة لارتفاع قدرها ; لأنها كلام الله تعالى ، وفيها معرفة الحلال والحرام ، ومنه رجل سوار ، أي : معربد ; لأنه يعلو بفعله ويشتط . ويقال : أصلها من السورة ، وهي الوثبة تقول : سرت إليه وثرت إليه .
وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو ، وجمع سورة البناء سور بسكونها . وقيل : هو بمعنى العلو ; ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=21إذ تسوروا المحراب ( ص : 21 ) ، نزلوا عليه من علو ، فسميت القراءة به لتركب بعضها على بعض ، وقيل : لعلو شأنه وشأن قارئه . ثم كره
[ ص: 362 ] بعضهم أن يقال سورة كذا ، والصحيح جوازه ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " .
وأما في الاصطلاح فقال
الجعبري : حد السورة قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة وخاتمة . وأقلها ثلاث آيات . فإن قيل : فما الحكمة في تقطيع القرآن سورا ؟ قلت : هي الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات ، لكل آية حد ومطلع ، حتى تكون كل سورة - بل كل آية - فنا مستقلا ، وقرآنا معتبرا ، وفي تسوير السورة تحقيق لكون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله تعالى ، وسورت السور طوالا وقصارا وأوساطا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز ; فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات ، وهي معجزة إعجاز سورة " البقرة " . ثم ظهرت لذلك حكمة في التعليم ، وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها يسيرا يسيرا ; تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه ، فترى الطفل يفرح بإتمام السورة ، فرح من حصل على حد معتبر ، وكذلك المطيل في التلاوة يرتاح عند ختم كل سورة ارتياح المسافر إلى قطع المراحل المسماة مرحلة بعد مرحلة أخرى ; إلا أن كل سورة نمط مستقل فسورة " يوسف " تترجم عن قصته ، وسورة " براءة " تترجم عن أحوال المنافقين وكامن أسرارهم ، وغير ذلك .
فإن قلت : فهلا كانت الكتب السالفة كذلك ؟ قلت : لوجهين : أحدهما : أنها لم تكن معجزات من ناحية النظم والترتيب ، والآخر : أنها لم تيسر للحفظ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " الفوائد في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة - وكذلك أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور وما أوحاه إلى أنبيائه - مسورة ، وبوب المصنفون في كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها :
أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا ، ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخره كان أنشط له وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله ، ومثله المسافر إذا
[ ص: 363 ] قطع ميلا أو فرسخا وانتهى إلى رأس برية نفس ذلك منه ونشطه للمسير ، ومن ثمة جزئ القرآن أجزاء وأخماسا . ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حفظه . ومنه حديث
أنس : كان الرجل إذا قرأ " البقرة " ، و " آل عمران " جل فينا " . ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة أفضل . ومنها أن التفصيل يسبب تلاحق الأشكال والنظائر وملاءمة بعضها لبعض ، وبذلك تتلاحظ المعاني والنظم ، إلى غير ذلك من الفوائد .
[ ص: 361 ] فَائِدَةٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28879السُّوَرِ : قَالَ
الْقُتَيْبِيُّ : السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ ، فَمَنْ هَمَزَهَا جَعَلَهَا مِنْ " أَسْأَرْتُ " ، أَيْ : أَفْضَلْتُ مِنَ السُّؤْرِ ، وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّرَابِ فِي الْإِنَاءِ كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهَا جَعَلَهَا مِنَ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ وَسَهَّلَ هَمْزَتَهَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ شَبَّهَهَا بِسُورِ الْبِنَاءِ ، أَيْ : الْقِطْعَةِ مِنْهُ ، أَيْ : مَنْزِلَةٍ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ .
وَقِيلَ : مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ لِإِحَاطَتِهَا بِآيَاتِهَا ، وَاجْتِمَاعِهَا كَاجْتِمَاعِ الْبُيُوتِ بِالسُّورِ ، وَمِنْهُ السُّوَارُ لِإِحَاطَتِهِ بِالسَّاعِدِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَاوُ أَصْلِيَّةٌ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنَ السُّورَةِ بِمَعْنَى الْمَرْتَبَةِ ; لِأَنَّ الْآيَاتِ مَرَتَّبَةٌ فِي كُلِّ سُورَةٍ تَرْتِيبًا مُنَاسِبًا ، وَفِي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ الْآيَاتِ بِالْمُنَاسَبَاتِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي فِي " شَرْحِ مَنْهُوكَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12185أَبِي نُوَاسٍ " : إِنَّمَا سُمِّيَتْ سُورَةً لِارْتِفَاعِ قَدْرِهَا ; لِأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهَا مَعْرِفَةُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَمِنْهُ رَجُلٌ سَوَّارٌ ، أَيْ : مُعَرْبِدٌ ; لِأَنَّهُ يَعْلُو بِفِعْلِهِ وَيَشْتَطُّ . وَيُقَالُ : أَصْلُهَا مِنَ السَّوْرَةِ ، وَهِيَ الْوَثْبَةُ تَقُولُ : سُرْتُ إِلَيْهِ وَثُرْتُ إِلَيْهِ .
وَجَمْعُ سُورَةِ الْقُرْآنِ سُوَرٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ ، وَجَمْعُ سُورَةِ الْبِنَاءِ سُورٌ بِسُكُونِهَا . وَقِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى الْعُلُوِّ ; وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=21إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ( ص : 21 ) ، نَزَلُوا عَلَيْهِ مِنْ عُلْوٍ ، فَسُمِّيَتِ الْقِرَاءَةُ بِهِ لِتَرَكُّبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَقِيلَ : لِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَشَأْنِ قَارِئِهِ . ثُمَّ كَرِهَ
[ ص: 362 ] بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ كَذَا ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : هَذَا مُقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ " الْبَقَرَةِ " .
وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ
الْجَعْبَرِيُّ : حَدُّ السُّورَةِ قُرْآنٌ يَشْتَمِلُ عَلَى آيٍ ذَوَاتِ فَاتِحَةٍ وَخَاتِمَةٍ . وَأَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْطِيعِ الْقُرْآنِ سُوَرًا ؟ قُلْتُ : هِيَ الْحِكْمَةُ فِي تَقْطِيعِ السُّوَرِ آيَاتٍ مَعْدُودَاتٍ ، لِكُلِّ آيَةٍ حَدٌّ وَمَطْلَعٌ ، حَتَّى تَكُونَ كُلُّ سُورَةٍ - بَلْ كُلُّ آيَةٍ - فَنًّا مُسْتَقِلًّا ، وَقُرْآنًا مُعْتَبَرًا ، وَفِي تَسْوِيرِ السُّورَةِ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ السُّورَةِ بِمُجَرَّدِهَا مُعْجِزَةً وَآيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَسُوِّرَتِ السُّوَرُ طِوَالًا وَقِصَارًا وَأَوْسَاطًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الطُّولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِعْجَازِ ; فَهَذِهِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ ، وَهِيَ مُعْجِزَةٌ إِعْجَازَ سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " . ثُمَّ ظَهَرَتْ لِذَلِكَ حِكْمَةٌ فِي التَّعْلِيمِ ، وَتَدْرِيجِ الْأَطْفَالِ مِنَ السُّوَرِ الْقِصَارِ إِلَى مَا فَوْقَهَا يَسِيرًا يَسِيرًا ; تَيْسِيرًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ لِحِفْظِ كِتَابِهِ ، فَتَرَى الطِّفْلَ يَفْرَحُ بِإِتْمَامِ السُّورَةِ ، فَرَحَ مَنْ حَصَلَ عَلَى حَدٍّ مُعْتَبَرٍ ، وَكَذَلِكَ الْمُطِيلُ فِي التِّلَاوَةِ يَرْتَاحُ عِنْدَ خَتْمِ كُلِّ سُورَةٍ ارْتِيَاحَ الْمُسَافِرِ إِلَى قَطْعِ الْمَرَاحِلِ الْمُسَمَّاةِ مَرْحَلَةً بَعْدَ مَرْحَلَةٍ أُخْرَى ; إِلَّا أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ نَمَطٌ مُسْتَقِلٌّ فَسُورَةُ " يُوسُفَ " تُتَرْجِمُ عَنْ قِصَّتِهِ ، وَسُورَةُ " بَرَاءَةَ " تُتَرْجِمُ عَنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَكَامِنِ أَسْرَارِهِمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَهَلَّا كَانَتِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ كَذَلِكَ ؟ قُلْتُ : لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَاتٍ مِنْ نَاحِيَةِ النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ ، وَالْآخَرُ : أَنَّهَا لَمْ تُيَسَّرْ لِلْحِفْظِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : " الْفَوَائِدُ فِي تَفْصِيلِ الْقُرْآنِ وَتَقْطِيعِهِ سُوَرًا كَثِيرَةٌ - وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَمَا أَوْحَاهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ - مُسَوَّرَةً ، وَبَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِمِ مِنْهَا :
أَنَّ الْجِنْسَ إِذَا انْطَوَتْ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ كَانَ أَحْسَنَ وَأَفْخَمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَابًا وَاحِدًا ، وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا خَتَمَ سُورَةً أَوْ بَابًا مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخِرِهِ كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى التَّحْصِيلِ مِنْهُ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ ، وَمِثْلُهُ الْمُسَافِرُ إِذَا
[ ص: 363 ] قَطَعَ مِيلًا أَوْ فَرْسَخًا وَانْتَهَى إِلَى رَأْسِ بَرِّيَّةٍ نَفَّسَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنَشَّطَهُ لِلْمَسِيرِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ جُزِّئَ الْقُرْآنُ أَجْزَاءً وَأَخْمَاسًا . وَمِنْهَا أَنَّ الْحَافِظَ إِذَا حَذَقَ السُّورَةَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً فَيَعْظُمُ عِنْدَهُ مَا حَفِظَهُ . وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَنَسٍ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ " الْبَقَرَةَ " ، وَ " آلَ عِمْرَانَ " جَلَّ فِينَا " . وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ بِسُورَةٍ أَفْضَلَ . وَمِنْهَا أَنَّ التَّفْصِيلَ يُسَبِّبُ تَلَاحُقَ الْأَشْكَالِ وَالنَّظَائِرِ وَمُلَاءَمَةَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ ، وَبِذَلِكَ تَتَلَاحَظُ الْمَعَانِي وَالنَّظْمِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ .