الجناح : الإثم ، أي لا إثم عليكم ، والتعريض ضد التصريح ، وهو من عرض الشيء : أي جانبه كأنه يحوم به حول الشيء ولا يظهره ، وقيل : هو من قولك : عرضت الرجل : أي أهديت له .
ومنه " وأبا بكر ثيابا بيضا " أي : أهدوا لهما ، فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه . أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال في الكشاف : الفرق بين الكناية والتعريض ، أن الكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له .
والتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره ، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلم عليك ، ولأنظر إلى وجهك الكريم ، ولذلك قالوا :
وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ، ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده انتهى .: ما يفعله الطالب من الطلب ، والاستلطاف بالقول والفعل ، يقال : خطبها يخطبها خطبة وخطبا . والخطبة بالكسر
وأما الخطبة بضم الخاء فهي الكلام الذي يقوم به الرجل خاطبا .
وقوله : " أكننتم " معناه سترتم وأضمرتم من التزويج بعد انقضاء العدة .
والإكنان : [ ص: 161 ] التستر والإخفاء : يقال : أكننته وكننته بمعنى واحد .
ومنه بيض مكنون ، ودر مكنون .
ومنه أيضا أكن البيت صاحبه : أي ستره .
وقوله : علم الله أنكم ستذكرونهن أي علم الله أنكم لا تصبرون عن النطق لهن برغبتكم فيهن ، فرخص لكم في التعريض دون التصريح .
وقال في الكشاف : إن فيه طرفا من التوبيخ كقوله : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم [ البقرة : 187 ] .
ولكن لا تواعدوهن سرا معناه : على سر ، فحذف الحرف لأن الفعل لا يتعدى إلى المفعولين . وقوله :
وقد اختلف العلماء في معنى السر فقيل : معناه نكاحا : أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض تعريضا .
وقد ذهب إلى أن معنى الآية هذا جمهور العلماء ، وقيل : السر الزنا ، أي لا يكن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزويج بعدها .
قاله جابر بن زيد وأبو مجلز والحسن وقتادة والضحاك والنخعي واختاره ومنه قول ابن جرير الطبري ، الحطيئة :
ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
فلن تطلبوا سرها للغنى ولن تسلموها لأزهادها
قال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن عليه لا يجوز . الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض
وقال أيضا : أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها وللأب في ابنته البكر وللسيد في أمته .
قوله : إلا أن تقولوا قولا معروفا قيل : هو استثناء منقطع بمعنى " لكن " ، والقول المعروف : هو ما أبيح من التعريض .
ومنع صاحب الكشاف أن يكون منقطعا وقال : هو مستثنى من قوله : لا تواعدوهن أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة فجعله على هذا استثناء مفرغا ، ووجه منع كونه منقطعا أنه يؤدي إلى جعل التعريض موعودا وليس كذلك ؛ لأن التعريض طريق المواعدة ، لا أنه الموعود في نفسه .
قوله : ولا تعزموا عقدة النكاح قد تقدم الكلام في معنى العزم ، يقال : عزم الشيء ، وعزم عليه ، والمعنى هنا : لا تعزموا على عقد النكاح ثم حذف على .
قال : والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه . سيبويه
وقال النحاس : يجوز أن يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح ؛ لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد ، وقيل : إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهي مبالغة ، لأنه إذا نهي عن المتقدم على الشيء ، كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى .
قوله : حتى يبلغ الكتاب أجله يريد حتى تنقضي العدة ، والكتاب هنا هو الحد والقدر الذي رسم من المدة ، سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا كقوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا [ النساء : 103 ] وهذا الحكم أعني تحريم مجمع عليه . عقد النكاح في العدة
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن في قوله : ابن عباس ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال : التعريض أن تقول : إني أريد التزويج ، وإني لأحب المرأة من أمرها وأمرها ، وإن من شأني النساء ، ولوددت أن الله يسر لي امرأة صالحة .
وأخرج عنه أنه يقول لها : إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ، ونحو هذا من الكلام . ابن جرير
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه قال : يقول : إني فيك لراغب ، ولوددت أني تزوجتك . وابن أبي حاتم
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير الحسن في قوله : أو أكننتم قال : أسررتم .
وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن وابن جرير الحسن في قوله : علم الله أنكم ستذكرونهن قال : بالخطيئة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن وابن جرير مجاهد قال : ذكره إياها في نفسه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس ولكن لا تواعدوهن سرا قال : يقول لها : إني عاشق ، وعاهديني أن لا تتزوجي غيري ونحو هذا إلا أن تقولوا قولا معروفا وهو قوله : إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك .
وأخرج عنه في السر أنه الزنا ، كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض بالنكاح . ابن جرير
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه في قوله : إلا أن تقولوا قولا معروفا قال : يقول : إنك لجميلة ، وإنك إلي خير ، وإن النساء من حاجتي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : وابن أبي حاتم ولا تعزموا عقدة النكاح قال : لا تنكحوا حتى يبلغ الكتاب أجله قال : حتى تنقضي العدة .