سورة الرعد
قوله تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش .
ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن السماء مرفوعة على عمد ، ولكننا لا نراها ، ونظير هذه الآية قوله أيضا في أول سورة " لقمان " : خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [ 31 \ 10 ] .
واختلف العلماء في قوله : ترونها على قولين :
أحدهما أن لها عمدا ولكننا لا نراها ، كما يشير إليه ظاهر الآية ، وممن روي عنه هذا القول ، ابن عباس ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد ، كما قاله ابن كثير .
وروي عن قتادة أيضا أن المعنى أنها مرفوعة بلا عمد أصلا ، وهو قول ، وهذا القول يدل عليه تصريحه تعالى في سورة " الحج " أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله : إياس بن معاوية ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه [ 22 \ 65 ] .
قال ابن كثير : فعلى هذا يكون قوله : ترونها تأكيدا لنفي ذلك ، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك ، وهذا هو الأكمل في القدرة اهـ .
قال مقيده عفا الله عنه : الظاهر أن هذا القول من قبيل السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ، والمراد أن المقصود نفي اتصاف المحكوم عليه بالمحكوم به ، وذلك صادق بصورتين :
الأولى : أن يكون المحكوم عليه موجودا ، ولكن المحكوم به منتف عنه ، كقولك ليس الإنسان بحجر ، فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه .
الثانية : أن يكون المحكوم عليه غير موجود فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر الموجودي ، وهذا النوع من أساليب اللغة العربية ، كما أوضحناه في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، ومثاله في اللغة قول امرئ القيس :
على لاحب لا يهتدي بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا
[ ص: 222 ] أي لا منار له أصلا حتى يهتدي به ، وقوله :لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضب بها ينجحر
وعلى هذا فقوله : بغير عمد ترونها ، أي : لا عمد لها حتى تروها ، والعمد : جمع عمود على غير قياس ، ومنه قول نابغة ذبيان :
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد