قوله تعالى : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين .
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بخسران المكذبين بلقائه ، وأنهم لم يكونوا مهتدين ، ولم يبين هنا المفعول به لقوله : " خسر " وذكر في مواضع كثيرة أسبابا من ، وبين في مواضع أخر المفعول المحذوف هنا ، فمن الآيات المماثلة لهذه الآية قوله تعالى في " الأنعام " : أسباب الخسران قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها الآية [ 31 ] ، وقوله تعالى في " البقرة " : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون [ 27 ] وقوله في " البقرة " أيضا : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون [ 27 ] ، وقوله في " الأعراف " : أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [ 121 ] ، وقوله في " الأعراف " أيضا : من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون [ 178 ] ، وقوله في " الزمر " : له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون [ 63 ] .
والآيات في مثل هذا كثيرة ، وقد أقسم تعالى على أن هذا : الخسران لا ينجو منه إنسان إلا بأربعة أمور
الأول : الإيمان .
الثاني : العمل الصالح .
الثالث : التواصي بالحق .
الرابع : التواصي بالصبر .
وذلك في قوله : والعصر إن الإنسان [ 103 \ 1 ، 2 ] وبين في مواضع أخر [ ص: 159 ] أن المفعول المحذوف الواقع عليه الخسران هو أنفسهم ، كقوله في " الأعراف " : ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون [ 9 ] ، وقوله في " المؤمنون " : ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون [ 103 ] ، وقوله في " هود " : أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 45 ] .
وزاد في مواضع أخر خسران الأهل مع النفس ، كقوله في " الزمر " : قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين [ 15 ] ، وقوله في " الشورى " : وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم [ 45 ] .
وبين في موضع آخر أن خسران الخاسرين قد يشمل الدنيا والآخرة ، وهو قوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين [ 22 \ 11 ] .