ولفظ مسلم ، حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر ، " " اهـ . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين ، وللرجل سهما
وأكثر الروايات بلفظ : " وللرجل " ، فرواية الشيخين صريحة فيما ذكرنا ، وبذلك فسره راويه نافع ، قال في " صحيحه " في غزوة البخاري خيبر : قال : فسره نافع ، فقال : إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم ، فإن لم يكن له فرس فله سهم اهـ . وذلك هو معناه الذي لا يحتمل غيره في رواية الصحيحين المذكورة .
ومنها ما رواه أبو داود ، حدثنا ، حدثنا أحمد بن حنبل أبو معاوية ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن : " ابن عمر " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه
حدثنا ، ثنا أحمد بن حنبل أبو معاوية ، ثنا عبد الله بن يزيد ، حدثني المسعودي ، حدثني أبو عمرة عن أبيه ، قال : " " . أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ، ومعنا فرس ، فأعطى كل واحد منا سهما ، وأعطى الفرس سهمين
وممن قال بهذا الأئمة الثلاثة : مالك ، ، والشافعي وأحمد ، وهو قول ، ابن عباس ومجاهد ، والحسن ، ، وابن سيرين ، وعمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي ، والثوري والليث ، وحسين بن ثابت ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ، وابن جرير . وأبي ثور
وخالف أبو حنيفة - رحمه الله - الجمهور ، فقال : للفارس سهمان ، وللراجل سهم ; محتجا بما جاء في بعض الروايات : " خيبر للفارس سهمين ، وللراجل سهما " رواه أنه صلى الله عليه وسلم ، قسم يوم أبو داود من حديث مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه ، وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن ، ويجاب عنه من وجهين :
الأول : أن المراد بسهمي الفارس خصوص السهمين اللذين استحقهما بفرسه ، كما يشعر به لفظ الفارس .
[ ص: 92 ] الثاني : أن النصوص المتقدمة أصح منه ، وأولى بالتقديم ، وقد قال أبو داود : حديث أبي معاوية أصح ، والعمل عليه ، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال : ثلاثمائة فارس ، وكانوا مائتي فارس اهـ .
وقال النووي في " شرح مسلم " : لم يقل بقول أبي حنيفة هذا أحد ، إلا ما روي عن علي ، وأبي موسى اهـ .
، وهذا مذهب الجمهور منهم وإن كان عند بعض الغزاة خيل فلا يسهم إلا لفرس واحد مالك ، وأبو حنيفة ، ، والشافعي والحسن ، ومحمد بن الحسن ، وغيرهم .
واحتجوا بأنه لا يمكنه أن يقاتل إلا على فرس واحد ، وقال الأوزاعي ، والثوري والليث ، وأبو يوسف : يسهم لفرسين دون ما زاد عليهما ، وهو مذهب ، ويروى عن الإمام أحمد الحسن ، ومكحول ، ويحيى الأنصاري ، وابن وهب ، وغيره من المالكيين .
واحتج أهل هذا القول بما روي عن : " الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس " ، وبما روي عن أزهر بن عبد الله أن كتب إلى عمر بن الخطاب ، أن يسهم للفرس من سهمين ، وللفرسين أربعة أسهم ، ولصاحبهما سهم ، فذلك خمسة أسهم ، وما كان فوق الفرسين فهي جنائب ، رواهما أبي عبيدة بن الجراح ، قاله سعيد بن منصور في " المغني " . ابن قدامة
واحتجوا أيضا بأنه محتاج إلى الفرس الثاني ; لأن إدامة ركوب واحد تضعفه ، وتمنع القتال عليه فيسهم للثاني ; لأنه محتاج إليه كالأول ، بخلاف الثالث فإنه مستغن عنه ، ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين ، إلا شيئا روي عن ، قاله سليمان بن موسى النووي في " شرح مسلم " ، وغيره .
واختلف العلماء في على أربعة أقوال : البراذين والهجن
الأول : أنها يسهم لها كسهم الخيل العراب ، وممن قال به مالك ، ، والشافعي ، وعمر بن عبد العزيز ، ونسبه والثوري الزرقاني في " شرح الموطأ " للجمهور ، واختاره الخلال ، وقال : رواه ثلاثة متيقظون عن أحمد ، وحجة هذا القول ما ذكره مالك في الموطأ ، قال : لا أرى البراذين والهجن ، إلا من الخيل ; لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [ 16 \ 8 ] .
وقال عز وجل : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ 8 \ 60 ] [ ص: 93 ] فأنا أرى . البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالي
وقد قال ، وسئل عن سعيد بن المسيب قال : وهل في الخيل من صدقة ؟ اهـ . البراذين : هل فيها من صدقة ؟
وحاصل هذا الاستدلال أن اسم الخيل في الآيتين المذكورتين يشمل البراذين والهجن فهما داخلان في عمومه ; لأنهما ليسا في البغال ولا الحمير بل من الخيل .
القول الثاني : أنه يسهم للبرذون والهجين سهم واحد قدر نصف سهم الفرس ، واحتج أهل هذا القول بما رواه في " الأم " الشافعي من طريق وسعيد بن منصور ، قال : أغارت الخيل فأدركت العراب ، وتأخرت البراذين ، فقام علي بن الأقمر الوادعي ابن المنذر الوادعي ، فقال : لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك ، فبلغ ذلك عمر فقال : هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به ! أمضوها على ما قال ، فكان أول من أسهم للبراذين دون سهام العراب ، وفي ذلك يقول شاعرهم : [ الطويل ]
ومنا الذي قد سن في الخيل سنة وكانت سواء قبل ذاك سهامها
وهذا منقطع كما ترى .واحتجوا أيضا بما رواه أبو داود في المراسيل ، ، عن وسعيد بن منصور مكحول : " خيبر ، وعرب العربي ، فجعل للعربي سهمين ، وللهجين سهما " ، وهو منقطع أيضا كما ترى ، وبه أخذ أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم في أشهر الروايات عنه . الإمام أحمد
واحتجوا أيضا بأن أثر الخيل العراب في الحرب أفضل من أثر البراذين وذلك يقتضي تفضيلها عليها في السهام .
القول الثالث : التفصيل بين ما يدرك من البراذين إدراك العراب ، فيسهم له كسهامها ، وبين ما لا يدرك إدراكها فلا يسهم له ، وبه قال ، ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة ، وأبو أيوب ، والجوزجاني .
ووجهه أنها من الخيل ، وقد عملت عملها فوجب جعلها منها .
القول الرابع : لا يسهم لها مطلقا ، وهو قول ووجهه أنها حيوان لا يعمل عمل الخيل فأشبه البغال . مالك بن عبد الله الخثعمي
قال في " المغني " : ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق [ ص: 94 ] منها ، لما روى ابن قدامة الجوزجاني بإسناده عن أبي موسى ، أنه كتب إلى : إنا وجدنا عمر بن الخطاب بالعراق خيلا عراضا دكنا ، فما ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها ، فكتب إليه : تلك البراذين فما قارب العتاق منها ، فاجعل له سهما واحدا ، وألغ ما سوى ذلك . اهـ .
والبراذين : جمع برذون ، بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة ، والمراد : الجفاة الخلقة من الخيل ، وأكثر ما تجلب من بلاد الروم ، ولها جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية .
والهجين : هو ما أحد أبويه عربي ، وقيل : هو الذي أبوه عربي ، وأما الذي أمه عربية فيسمى المقرف ، وعن أحمد : الهجين البرذون ، ويحتمل أنه أراد في الحكم .
ومن إطلاق الإقراف على كون الأم عربية قول هند بنت النعمان بن بشير : [ الطويل ]
وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت مهرا كريما فبالحرى وإن يك إقراف فما أنجب الفحل
إذا آباؤنا وأبوك عدوا أبان المقرفات من العراب واختلف العلماء فيمن فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يسهم للإبل ، قال غزا على بعير ، هل يسهم لبعيره ؟ ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من غزا على بعير فله سهم راجل ، كذلك قال الحسن ، ومكحول ، ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، واختاره والشافعي أبو الخطاب من الحنابلة .
قال في " المغني " : وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أسهم لغير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم " بدر " سبعون بعيرا ، ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل ، هي كانت غالب دوابهم فلم ينقل عنه أنه أسهم لها ، ولو أسهم لها لنقل ، وكذلك من بعد النبي صلى الله عليه وسلم من خلفائه وغيرهم مع كثرة غزواتهم لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه أنه أسهم لبعير ، ولو أسهم لبعير لم يخف ذلك ، ولأنه لا يتمكن صاحبه من الكر والفر ، فلم يسهم له كالبغل والحمار ، اهـ . ابن قدامة
وقال : من الإمام أحمد قسم له ولبعيره سهمان ، وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس ، وعن غزا على بعير ، وهو لا يقدر على غيره أحمد : أنه يسهم [ ص: 95 ] للبعير سهم ، ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره ، وحكي نحو هذا عن الحسن ، قاله في " المغني " . ابن قدامة
واحتج أهل هذا القول بقوله تعالى : فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب [ 59 \ 6 ] ، قالوا : فذكر الركاب وهي الإبل مع الخيل ، وبأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض فيسهم له كالفرس ; لأن إنما هو في ثلاثة أشياء ، هي : النصل ، والخف ، والحافر ، دون غيرها ; لأنها آلات الجهاد ، فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها ، تحريضا على رياضتها ، وتعلم الإتقان فيها . تجويز المسابقة بعوض
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي - والله أعلم - أنه لا يسهم للإبل لما قدمنا آنفا ، وأما غير الخيل والإبل ، من البغال والحمير والفيلة ونحوها ، فلا يسهم لشيء منه ، وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل .
قال : ولا خلاف في ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقسم لشيء من ذلك ، ولأنها مما لا تجوز المسابقة عليه بعوض فلم يسهم لها كالبقر . ابن قدامة