اعلم أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة ، كما أشرنا له في أول هذه السورة الكريمة ، ووعدنا بإيضاحه هنا ، فذهب - رحمه الله - إلى أن الإمام لا يجوز له أن ينفل أحدا شيئا إلا من الخمس ، وهو قول الإمام مالك ; لأن الأخماس الأربعة ملك للغانمين الموجفين عليها بالخيل والركاب ، هذا مشهور مذهبه ، وعنه قول آخر : أنها من خمس الخمس . سعيد بن المسيب
ووجه هذا القول : أن أخماس الخمس الأربعة ، غير خمس الرسول صلى الله عليه وسلم لمصارف معينة في قوله : ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وأربعة الأخماس الباقية ملك للغانمين .
وأصح الأقوال عن : أن الإمام لا ينفل إلا من خمس الخمس ، ودليله : ما ذكرنا آنفا . الشافعي
وعن أنه قال : لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمرو بن شعيب في " المغني " : ولعله يحتج بقوله تعالى : ابن قدامة
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول [ ص: 80 ]
وذهب في طائفة من أهل العلم : إلى أن للإمام أن ينفل الربع بعد الخمس في بدأته ، والثلث بعد الخمس في رجعته . الإمام أحمد
ومذهب أبي حنيفة . أن للإمام قبل إحراز الغنيمة أن ينفل الربع ، أو الثلث ، أو أكثر ، أو أقل بعد الخمس ، وبعد إحراز الغنيمة لا يجوز له التنفيل إلا من الخمس .
وقد قدمنا جملة الخلاف في هذه المسألة في أول هذه السورة الكريمة ، ونحن الآن نذكر إن شاء الله ما يقتضي الدليل رجحانه .
اعلم أولا : أن التنفيل الذي اقتضى الدليل جوازه أقسام :
الأول : أن يقول الإمام لطائفة من الجيش : إن غنمتم من الكفار شيئا ، فلكم منه كذا بعد إخراج خمسه ، فهذا جائز ، وله أن ينفلهم في حالة إقبال جيش المسلمين إلى الكفار الربع ، وفي حالة رجوع جيش المسلمين إلى أوطانهم الثلث بعد إخراج الخمس .
ومالك وأصحابه يقولون : إن هذا لا يجوز ; لأنه تسبب في إفساد نيات المجاهدين ; لأنهم يصيرون مقاتلين من أجل المال الذي وعدهم الإمام تنفيله .
والدليل على جواز ذلك : ما رواه : " حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي الفهري " ، أخرجه أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته ، الإمام أحمد وأبو داود ، ، وصححه وابن ماجه ، ابن حبان والحاكم ، . وابن الجارود
واعلم أن التحقيق في حبيب المذكور : أنه صحابي ، وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : مختلف في صحبته ، والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا ، وله ذكر في " الصحيح " ، في حديث مع ابن عمر معاوية اهـ .
وقد روى عنه أبو داود هذا الحديث من ثلاثة أوجه :
منها : عن مكحول بن عبد الله الشامي ، قال : كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل ، فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه ، فيما أرى ، ثم أتيت الحجاز ، فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت الشام فغربلتها ، كل ذلك : أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء ، حتى لقيت شيخا يقال له : زياد بن [ ص: 81 ] جارية التميمي ، فقلت له : هل سمعت في النفل شيئا ؟ قال : نعم ، سمعت يقول : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة ، والثلث في الرجعة اهـ . حبيب بن مسلمة الفهري
وقد علمت أن الصحيح أنه صحابي ، وقد صرح في هذه الرواية بأنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع إلى آخر الحديث .
ومما يدل على ذلك أيضا : ما رواه رضي الله عنه عبادة بن الصامت " أخرجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث ، الإمام أحمد ، والترمذي ، وصححه وابن ماجه . ابن حبان
وفي رواية عند : الإمام أحمد . كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع ، وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ، ويقول : ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم
وهذه النصوص تدل على ثبوت . التنفيل من غير الخمس
ويدل لذلك أيضا : ما رواه ، الإمام أحمد وأبو داود ، عن معن بن يزيد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " ، قال لا نفل إلا بعد الخمس الشوكاني : في " نيل الأوطار " : هذا الحديث صححه الطحاوي اهـ .
والفرق بين البدأة والرجعة : أن المسلمين في البدأة : متوجهون إلى بلاد العدو ، والعدو في غفلة ، وأما في الرجعة : فالمسلمون راجعون إلى أوطانهم من أرض العدو ، والعدو في حذر ويقظة ، وبين الأمرين فرق ظاهر .
والأحاديث المذكورة تدل على أن ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء ، كما قاله السرية من العسكر إذا خرجت ، فغنمت ، أن سائر الجيش شركاؤهم القرطبي .
الثاني : من الأقسام التي اقتضى الدليل جوازها : ، والدليل على ذلك ما ثبت في " صحيح مسلم " ، ورواه تنفيل بعض الجيش ، لشدة بأسه ، وعنائه ، وتحمله ما لم يتحمله غيره ، الإمام أحمد وأبو داود عن رضي الله عنه ، في قصة إغارة سلمة بن الأكوع عبد الرحمن الفزاري ، على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستنقاذه منه ، قال سلمة : ، الحديث . هذا لفظ فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير فرساننا اليوم ، أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة " ، قال : ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس ، وسهم الراجل فجمعهما لي [ ص: 82 ] جميعا مسلم في صحيحه من حديث طويل .
وقد قدمنا أن هذه غزوة " ذي قرد " في سورة " النساء " ، ويدل لهذا أيضا : حديث المتقدم في أول السورة ، فإن فيه : أن سعدا رضي الله عنه قال : لعله يعطي هذا السيف لرجل لم يبل بلائي ، ثم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه لحسن بلائه وقتله صاحب السيف كما تقدم . سعد بن أبي وقاص
الثالث : من أقسام التنفيل التي اقتضى الدليل جوازها : أن يقول الإمام : " " . من قتل قتيلا فله سلبه
ومن الأدلة على ذلك : ما رواه الشيخان في صحيحيهما ، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : " حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت فأرسلني ، فلحقت ، فقال : ما للناس ؟ فقلت : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " ، قال : فقمت ، ثم قلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال مثل ذلك ، قال : فقمت ، فقلت : من يشهد لي ؟ ، ثم جلست ، ثم قال ذلك الثالثة ، فقمت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لك يا عمر بن الخطاب أبا قتادة ؟ " فقصصت عليه القصة ، فقال رجل من القوم ، صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي ; فأرضه من حقه ، فقال رضي الله عنه : لا ها الله إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله ، فيعطيك سلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق فأعطه إياه " ، فأعطاني ، قال : فبعت الدرع فابتعت بها مخرفا في أبو بكر الصديق بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام . والأحاديث بذلك كثيرة . خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
وروى أبو داود ، وأحمد ، عن أنس : أن أبا طلحة يوم حنين قتل عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم ، وفي رواية عنه عند أحمد ، أحدا وعشرين ، وذكر أصحاب المغازي : أن أبا طلحة قال في قتله من ذكر : [ الرجز ]
أنا أبو طلحة واسمي زيد
وكل يوم في سلاحي صيد
والحق أنه لا يشترط في ذلك أن يكون في مبارزة ، ولا أن يكون الكافر المقتول [ ص: 83 ] مقبلا .أما الدليل على عدم : فحديث اشتراط المبارزة أبي قتادة هذا المتفق عليه .
وأما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلا إليه : فحديث ، قال : سلمة بن الأكوع هوازن ، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ، ثم انتزع طلقا من حقوه فقيد به الجمل ، ثم تقدم يتغدى مع القوم ، وجعل ينظر ، وفينا ضعفة ورقة في الظهر ، وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله ، فأطلق قيده ثم أناخه ، وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل ، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء ، قال سلمة : وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته ، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي ، فضربت به رأس الرجل فندر ، ثم جئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه ، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس معه ، فقال : " من قتل الرجل ؟ " ، قالوا : ، قال : " له سلبه أجمع " ابن الأكوع ، متفق عليه ، واللفظ المذكور غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسلم في " كتاب الجهاد والسير " في باب : " استحقاق القاتل سلب القتيل " ، وأخرجه بمعناه " في كتاب الجهاد " في باب : " الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان " وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة ، وعدم اشتراط قتله مقبلا لا مدبرا كما ترى . البخاري
. ولا يستحق القاتل سلب المقتول ، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتالهم
فأما إن قتل امرأة ، أو صبيا ، أو شيخا فانيا ، أو ضعيفا مهينا ، أو مثخنا بالجراح لم تبق فيه منفعة ، فليس له سلبه .
ولا خلاف بين العلماء : في أن ، إلا قولا ضعيفا جدا يروى عن من قتل صبيا ، أو امرأة ، أو شيخا فانيا ، لا يستحق سلبهم ، أبي ثور وابن المنذر : في استحقاق سلب المرأة .
والدليل على أن من قتل مثخنا بالجراح لا يستحق سلبه ، أن ، هو الذي ذفف على عبد الله بن مسعود أبي جهل يوم بدر ، وحز رأسه ، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه الذي أثبته ، ولم يعط لمعاذ بن عمرو بن الجموح شيئا . ابن مسعود
وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه ، فلا يعارض بما رواه الإمام [ ص: 84 ] أحمد ، وأبو داود : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف ابن مسعود أبي جهل يوم بدر " ; لأنه من رواية ابنه عن أبي عبيدة ، ولم يسمع منه ، وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر بقتل النضر بن الحارث العبدري ، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم بدر ولم يعط من قتلهما شيئا من سلبهما .
والظاهر أنه لا يستحقه ، لعدم الدليل ، فيجب استصحاب عموم واختلفوا فيمن أسر أسيرا : هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا ؟ واعلموا أنما غنمتم الآية ، حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة ، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، أسارى بدر ، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا ، ولم يعط أحدا من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم ، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة .
أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين : فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه ; لأنه حينئذ ممن يجوز قتله ، فيدخل في عموم " من قتل قتيلا " الحديث ، وبهذا جزم غير واحد ، والعلم عند الله تعالى .
واعلم أن العلماء اختلفوا في استحقاق القاتل السلب ، هل يشترط فيه قول الإمام : " من قتل قتيلا فله سلبه " أو يستحقه مطلقا ، قال الإمام ذلك أو لم يقله ؟
وممن قال بهذا الأخير : ، الإمام أحمد ، والشافعي ، والأوزاعي والليث ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، ، وأبو ثور ، والطبري وابن المنذر .
وممن قال بالأول : الذي هو أنه لا يستحقه إلا بقول الإمام : " من قتل قتيلا " إلخ ، الإمام أبو حنيفة ، ومالك ، . والثوري
وقد قدمنا عن مالك وأصحابه : أن قول الإمام ذلك : لا يجوز قبل القتال ، لئلا يؤدي إلى فساد النية ، ولكن بعد وقوع الواقع ، يقول الإمام : من قتل قتيلا . . . إلخ .
واحتج من قال : باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن من قتل قتيلا فله سلبه ، ولم يخصص بشيء ، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، كما علم في الأصول .
واحتج مالك ، وأبو حنيفة ، ومن وافقهما بأدلة :
منها : قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ، المتفق عليه السابق ذكره ، له سلبه [ ص: 85 ] أجمع ، قالوا : فلو كان السلب مستحقا له بمجرد قتله لما احتاج إلى تكرير هذا القول . سلمة بن الأكوع
ومنها : حديث ، المتفق عليه في قصة قتل عبد الرحمن بن عوف ، معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاريين ومعاذ بن عفراء لأبي جهل يوم بدر ، فإن فيه : " لمعاذ بن عمرو بن الجموح اهـ . ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبراه ، فقال : " أيكما قتله ؟ ! " ، فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : " هل مسحتما سيفيكما ؟ " قالا : لا ، فنظر في السيفين ، فقال : " كلاكما قتله " ، وقضى بسلبه
قالوا : فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، المتفق عليه ، بأن كليهما قتله ، ثم تخصيص أحدهما بسلبه ، دون الآخر ، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب ، إلا بقول الإمام : إنه له ، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع وجه ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عفراء ، ولجعله بينهما . معاذ بن عمرو
ومنها : ما رواه ، الإمام أحمد ومسلم ، وأبو داود ، عن قال : عوف بن مالك حمير ، رجلا من العدو ، فأراد سلبه ، فمنعه ، وكان واليا عليهم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خالد بن الوليد فأخبره . فقال عوف بن مالك لخالد : " ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ " ، قال : استكثرته يا رسول الله ، قال : " ادفعه إليه " ، فمر خالد بعوف فجر بردائه ، ثم قال : هل أنجزت ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فاستغضب ، فقال : لا تعطه يا خالد ، لا تعطه يا خالد ، هل أنتم تاركون لي أمرائي ، إنما مثلكم ومثلهم ، كمثل رجل استرعى إبلا ، أو غنما فرعاها ، ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه ، فشربت صفوه ، وتركت كدره ، فصفوه لكم وكدره عليهم . قتل رجل من
وفي رواية عند مسلم أيضا : عن ، قال : خرجت مع من خرج مع عوف بن مالك الأشجعي ، في غزوة زيد بن حارثة مؤتة ، ورافقني مددي من اليمن ، وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، غير أنه قال في الحديث : قال : فقلت : عوف بن مالك خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ، قال بلى ، ولكني استكثرته ، هذا لفظ يا مسلم في صحيحه .
وفي رواية عن عوف أيضا ، عند الإمام أحمد وأبي داود قال في غزوة زيد بن حارثة مؤتة ، ورافقني مددي من أهل اليمن ، ومضينا فلقينا جموع الروم ، وفيهم رجل على فرس له ، أشقر ، عليه سرج مذهب ، وسلاح مذهب ، فجعل الرومي يفري في [ ص: 86 ] المسلمين ، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه ، فخر وعلاه فقتله . وحاز فرسه وسلاحه ، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه ، فأخذ السلب ، قال خالد بن الوليد عوف : فأتيته ، فقلت : يا خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ، قال : بلى ، ولكن استكثرته ، قلت : لتردنه إليه ، أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يرد عليه ، قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقصصت عليه قصة المددي ، وما فعل خالد ، وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم اهـ . خرجت مع
فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح : " خالد " دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل ، إذ لو استحقه به ، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم . لا تعطه يا
ومنها : ما ذكره ، قال : حدثنا ابن أبي شيبة أبو الأحوص ، عن ، عن الأسود بن قيس بشر بن علقمة ، قال : بارزت رجلا يوم القادسية ، فقتلته ، وأخذت سلبه ، فأتيت سعدا ، فخطب سعد أصحابه ، ثم قال : هذا سلب بشر بن علقمة فهو خير من اثني عشر ألف درهم ، وإنا قد نفلناه إياه .
فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم ، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم ، ولأخذه القاتل دون أمرهم ، قاله القرطبي .
قال مقيده عفا الله عنه : أظهر القولين عندي دليلا ، أن القاتل لا يستحق السلب إلا بإعطاء الإمام ; لهذه الأدلة الصحيحة ، التي ذكرنا فإن قيل : هي شاهدة لقول إسحاق : إن كان السلب يسيرا فهو للقاتل ، وإن كان كثيرا خمس .
فالجواب : أن ظاهرها العموم مع أن سلب أبي جهل لم يكن فيه كثرة زائدة ، وقد منع منه النبي صلى الله عليه وسلم . معاذ بن عفراء