وقوله : وأما بنعمة ربك فحدث : النعمة كل ما أنعم الله به على العبد ، وهي كل ما ينعم به العبد من : مال ، وعافية ، وهداية ، ونصرة من النعومة واللين ، فقيل : المراد بها [ ص: 571 ] المذكورات والتحدث بها شكرها عمليا من إيواء اليتيم كما آواه الله ، وإعطاء السائل كما أغناه الله ، وتعليم المسترشد كما علمه الله ، وهذا من شكر النعمة ، أي : كما أنعم الله عليك ، فتنعم أنت على غيرك ; تأسيا بفعل الله معك .
وقيل : ، والنعمة هنا عامة ; لتنكيرها وإضافتها ، كما في قوله تعالى : التحدث بنعمة الله هو التبليغ عن الله من آية وحديث وما بكم من نعمة فمن الله [ 16 \ 53 ] ، أي : كل نعمة ، ولكن الذي يظهر أنها في الوحي أظهر أو هو أولى بها ، أو هو أعظمها ; لقوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ 5 \ 3 ] فقال : " نعمتي " ، وهنا " نعمة ربك " . ولا يبعد عندي أن يكون - صلى الله عليه وسلم - إنما نحر مائة ناقة في حجة الوداع ، لما أنزل الله عليه هذه الآية ، ففعل شكرا لله على إتمام النعمة بإكمال الدين .
وقد قالوا في مناسبة هذه السورة بما قبلها : إن التي قبلها في : الصديق وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى [ 92 \ 17 - 21 ] ، وهنا في الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 3 - 5 ] مع الفارق الكبير في العطاء والخطاب .
والواقع أن ، كما بين هاتين السورتين : " والليل " مع " والضحى " ، ثم ما بين : " والضحى " و " ألم نشرح " إنها تتمة النعم التي يعددها الله تعالى على رسوله . وهكذا على ما ستأتي الإشارة إليه في محله إن شاء الله تعالى . مناسبات السور القصار أظهر من مناسبات الآي في السورة الواحدة
أعلم علما ; بأن بعض العلماء لم يعتبر تلك المناسبات . ولكن ما كانت المناسبة فيه واضحة ، فلا ينبغي إغفاله ، وما كانت خفية لا ينبغي التكلف له .