قيل : الإنسان للجنس وقيل لفرد ، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن السياق يدل للأول للتقسيم الآتي ، فأما من أوتي كتابه بيمينه ، وأما من أوتي كتابه بشماله ; لأنه لا يكون لفرد ، وإنما للجنس وعلى أنه للجنس فالكدح العمل جهد النفس .
وقال ابن مقبل :
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
وقال غيره مشيرا إلى أن الكدح فيه معنى النصب :ومضت بشاشة كل عيش صالح وبقيت أكدح للحياة وأنصب
تنبيه .
من هذا العرض القرآني الكريم من مقدمة تغيير أوضاع الكون سماء وأرضا ، ووضع الإنسان فيه يكدح إلى ربه " كدحا فملاقيه " ، أي : بعلمه الذي يحصل عليه من [ ص: 469 ] خلال كدحه ، فإن العاقل المتبصر لا يجعل كدحه إلا فيما يرضي الله ويرضى هو به ، وإذا لقي ربه ما دام أنه كادح ، لا محالة كما هو مشاهد .
تنبيه آخر .
قوله تعالى : ياأيها الإنسان عام في الشمول لكل إنسان مهما كان حاله من مؤمن وكافر ، ومن بر وفاجر ، والكل يكدح ويعمل جاهدا لتحصيل ما هو مقبل عليه ، كما في الحديث : " " أي : ومجد فيه وراض به ، وهذا منتهى حكمة العليم الخبير . اعملوا كل ميسر لما خلق له
ومما هو جدير بالتنبيه عليه ، هو أنه إذا كانت السماء مع عظم جرمها ، والأرض مع مساحة أصلها " وأذنت لربها وحقت " ، مع أنها لم تتحمل أمانة ، ولن تسأل عن واجب ، فكيف بالإنسان على ضعفه ؟ ! أأنتم أشد خلقا أم السماء [ 79 \ 27 ] ، وقد تحمل أمانة التكليف فأشفقن منها وحملها الإنسان ، فكان أحق بالسمع والطاعة في كدحه ، إلى أن يلقى ربه لما يرضيه .